ولنبدأ بكلمة quot;نبيquot; وهي لفظة مصرية قديمة، ومصدرها quot;نبquot; بمعني (سيد القوم) أو الذي يفكر لقومه ويخدمهم، ومن هنا جاءت فكرة (سيد القوم خادمهم)، وهو قول لا ينطبق علي المصري اليوم قدر انطباقه علي quot;مجدي يعقوب quot;.. وبدون ألقاب.
العظماء وحدهم، لا تسبق أسماؤهم أية ألقاب، أما إذا أردنا انعاش ذاكرة البعض فهو: جراح القلب العالمى الحاصل علي لقب quot;سيرquot; (أعظم لقب إنجليزى)، وواحد من أبرز خمسة أساطين فى عالم الجراحة على مستوى العالم كله، أطلق عليه مؤخرا: quot;ملك القلوبquot; وquot;أسطورة الطبquot;. مجدي يعقوب هو أكثر من quot; رمز quot; فبعد أن تعرض في بداية حياته العلمية والعملية للاضطهاد ndash; رغم نبوغه وتفوقه ndash; لا لشئ إلا لمجرد أنه quot; قبطي quot;، وقرر ترك مصر كغيره من الكفاءات المضطهدة في مختلف المجالات، عاد إلي وطنه وأنشأ quot;المركز العالمى الخيرى للقلبquot; في مدينة أسوان، ليقدم خدماته وخبراته بالمجان للفقراء المعدمين من المصريين.
لكن أعداء النجاح والوطن لم ينسوا أنه quot; مجدي يعقوب quot;، ولابد من مكيدة جديدة (لتطفيشه) خاصة وأن quot;الوصفةquot; جاهزة دائما، إذ يكفي أن تغلف أي اتهام تجاه الآخرين (المختلفين في العقيدة) بصبغة دينية حتي تمرر الأكاذيب والافتراءات، وأنت واثق وضامن مقدما أن يتبعك القطيع المغيب عقليا والمهووس دينيا، فقد تفتق ذهن بعض أطباء أسوان (للأسف) عن أن مجدي يعقوب يستخدم quot; صمامات الخنازير quot; في عملياته الجراحية، أما أحدث التهم فهي أن الرجل أستولي على أرض المستشفى العام وأحضر أطباء من الخارج لكي يجري تجارب محرمة على قلوب المرضى المسلمين!
هذه الاتهامات الخطيرة لرجل في قيمة وقامة مجدي يعقوب هي أشبه quot; بالحدث quot;، الذي يجب أن نتوقف أمامه طويلا، لأنه يفتح الباب أمام (أحداث) مأساوية أخري قادمة ndash; كما يقول جاك دريدا في تفسيره للحدث بالمعني الفلسفيndash; أولا، لأنه ينقلنا مباشرة داخل مرحلة quot;تنفيذquot; وثيقة quot;التمكينquot; (13 ورقة) عند جماعة الإخوان المسلمين - التي ضبطها رجال الأمن المصري، في مكتب خيرت الشاطر وعرفت باسم quot;قضية سلسبيلquot;، وحسب الوثيقة فإن (الأقباط معضلة) في سبيل تنفيذ مخططاتهم، ويجب التعامل معهم quot;بالإقناعquot;: أن تطبيق الشريعة الإسلامية في صالحهم، ثم quot;التأمينquot; (أي التحييد) ثم quot;التفتيتquot; وهو استغلال الجماعة لنفوذها وقدراتها الضخمة لتفتيت وحدة المجتمع القبطي ndash; كما يسمونه - وطبيعي أن يتم استهداف النخبة من العلماء ورجال الأعمال أولا.
الحدث الثاني، أننا دخلنا بالفعل أسوأ مراحل العصور الوسطي وهي مرحلة quot;محاكم التفتيشquot;، فقد تأخر تطوير علم الطب حتي القرن الرابع عشر بسبب تحريم الكنيسة الكاثوليكية القيام بتشريح جثة الميت، وأول من تجرأ علي القيام بهذه quot;الزندقةquot; هو طبيب إيطالي في - بادوا - بإيطاليا، وذلك عام (1315)، ولكنه لم يجرؤ علي فتح رأسه وتشريح دماغه خوفًا من ارتكاب الخطيئة القاتلة والخروج علي تعاليم الدين، واستمر هذا الوضع حتي عام 1405، حين ألغي مجلس شيوخ البندقية سلطة محاكم التفتيش.
ومما يذكر عن محاكم التفتيش في هذا الصدد أنها انتقمت من quot;بطرس الآبانويquot; - أبرز المؤسسين للرشدية اللاتينية في جامعة quot;بادواquot; بايطاليا عصر النهضة - حتي بعد وفاته، إذ مات بطرس ومجلس التفتيش يبحث قضيته، وكان عقابه حرق عظامه عقابًا له! لذا ظل اسمه في ذاكرة العوام مثقلاً بالمـكايد الجهنـمية ، حسب تعبير إرنست رينان في كتابه quot;إبن رشد والرشديةquot;.
الحدث الثالث، أن صعود الإخوان إلي الحكم سيحول مصر إلي مسرح للفتن الطائفية، ومن ثم سوف تنطلق الدعوة لحماية الأقباط وهو ما يفتح الباب للتدخل الأجنبي عسكريا بحجة حماية الأقليات، وعندئذ ستنطلق الدعوات لتقسيم مصر .. ما لم يعرفه الإسلاميون أن quot;مصرquot; بالنسبة للأقباط ليست مجرد (وطن) يعيشون فيه وإنما يحملونه بين ضلوعهم أينما ذهبوا، مما يدل علي عمق انتمائهم لتراب هذا الوطن. وهو أمر يتجاوز المعني الديني لزيارة السيد المسيح طفلا مع العائلة المقدسة إلي quot;أرض مصرquot;، والمغزي اللاهوتي لما جاء في الكتاب المقدس من آيات: quot;مبارك شعبي مصرquot;، لأن (عظام أجدادهم) وآبائهم مدفونه منذ آلاف السنين في أرض مصر، وهذا التماهي والتمازج بين الأقباط (كشعب) وأرض مصر (كوطن) يتفق إلي حد كبير مع اللفظة اليونانية - Patris التي تعني quot;أرض الآباءquot;، وهذا هو السبب الذي أعاد quot;مجدي يعقوبquot; مرة أخري إلي وطنه، أما اضطهاده للمرة الثانية فهو الدليل الدامغ علي أنه quot;نبيquot;!
[email protected]
- آخر تحديث :
التعليقات