بين معاني ريشَفِل RESHUFFLE - كما هو معروف - quot;إعادة خلط ورق اللعبquot;. واضح أي ورق المُشار إليه، وأي لعب هوَ المعني. مع ذلك، داهمتني طرافة المقاربة وجديتها أيضا.
كم هم طيبون، حتى لو كانوا جاهلين، أولئك الذين يملأون فراغ الوقت يلعبون quot;الكوتشينةquot; بمقاهي الأرصفة، أو عند كل مصطبة بحارات تشكو ملل البطالة وقلة الصنعة. وكم شُطّار كما شطارة المنشار، لكن ما هم بعفوية الطيبين، أولئك المالئين الورق بكتابات تلعب بالكلمات، تبدي شيئا وتخفي أشياء، إذ الأقلام تسوّد وجه الورق برائع الأفكار، فهي تلمع كما البرق، بينما ينطبق على كثير من أصحابها ويحق قول على ألسنة البسطاء دارج: quot;أسمع كلامك يعجبني أشوف أفعالك استغربquot;. معظم أولئك المهرة، كي لا نعمم، في صنعة الكلام، بعواطف الناس يتلاعب ما يسْطرون، وبغسيل العقول ينشطون، وهم بين قبائل الفكر وعشائر الرأي موزعون. ليسار أخفق يُنظّر بعضهم، أو ليمين فاشل يبرر آخرون.
وكما تعلمون، ما عاد الورق على الصحف والمجلات مقتصر. ولا على الكتاب والكُرّاس. بل لورق هذا الزمان شكل افتراضي، ولن أدعي علماً حضرات الشابات والشبان أفضل خبرة بفضاءاته مني وأكثر دراية.
ما الذي استحضر مقاربتي تلك؟
الحكاية بسيطة. ما أن جاء قومَ ديفيد كاميرون نبأُ تعديل وزاري يجري رئيس حكومتهم لمساته الأخيرة بشأنه، حتى راح كهنة التنبؤات يصدّعون الناس بتوقعاتهم. فلان زائد علان إضافة لثالثهما، اولئك بين كبار البيت، هم من عظام رقبة تحالف محافظين وأحرار. لا يمسهم سوء فصل، ولا تهزّ جبلَ أي منهم ريح تغيير مهما كانت عاتية. أما ما عداهم فهيّن أمرهم. وجوهٌ إلى خارج حارة ويستمنستر (حيث المنزل 10 دواننغ ستريت) ذاهبة بغير رجعة، فيما البدائل تستعد لدخول دور صنع القرار ودوائر دسائس الحكم. وكما يجري في دهاليز حكومات كل زمان ومكان، يستوجب جبر الخواطر ركلَ بعض قبعات تعتقت لأعلى، أمّا من خفت موازينهم بميزان تسوية حسابات مؤجلة، فإلى الأسفل ينزلون.
وما أن ذاع بين الناس بيان تفاصيل الحكومة المُعدلة، حتى أخذ المنظرون أنفسهم يصمون الآذان بالتحليل، لماذا حلّ فلان محل علان، ولِمَ لمْ يكن البديل من توقعوه، يبررون نهار اليوم فشل تكهنات ليل أمس.
***
مَنْ يطرد منْ؟

رغم ضجر تلده كثرة التكرار، لفتني إصرار عدد من محاوري الساسة والمراقبين على التمحيص في فحص تشكيلة الحكومة المُعدلة، يلاحقون ضيوفهم بسؤال يتلوه آخر بشأن عدد الوجوه الجديدة، من أي الأعراق هي، ما نسبة النساء للرجال، وما إذا كان كاميرون أصاب هنا وأخطأ هناك.
يستوقفني، أيضا، تعبير يتضمنه الخبر، قد سمعته من قبل، ولست أذكر كم بالضبط من مرّات قرأته على مر السنوات، إنما كأنني أمر به، ويمر بي، أول مرة، يقول المذيع: شمل التعديل طرد كاميرون لرئيس حزب المحافظين.
بدءاً، القوم هنا لا يحرجهم وضع الكلمة في موضعها. طرد (SACK) يُفضَل عندنا اعتبارها quot;إعفاءquot;. ربما تقرباً من فضيلة العفو وكرمه. ثانياً، أنظر مَنْ يفصل مَنْ. عندنا الآيات مقلوبة. أوَيجرؤ رئيس حكومة حزب حاكم، أن يجترىء على رئيس حزبه بنقدٍ، فما بالك بطرد. لو فعل، الأرجح انه سيتلقى الجواب بنوع محدد من الطرود.
ما أكثر ما يمر بالمرء، عموما، من مقاربات تستوقف اهتمامه للحظة عابرة، إنما إن تأملها اكتشف في بعض جوانبها غيرَ عِبرةٍ تهم من يعنيه التعلّم والاعتبار.
***
مقالة وتعقيب

أدت مقالة الأربعاء الماضي الى حوار أود العودة اليه هنا. أول تعقيب على المقالة كان من القارىء أحمد برهان، لكن قسم التعليقات في quot;إيلافquot; رأى أنه quot;مخالف لشروط النشرquot;. فوجئت لاحقاً بتعليق ثان ٍ للقارىء نفسه، أعيد نشره بما تضمنه من أخطاء مطبعية:
8.اين الصدفية ؟
احمد برهان - GMT 14:00 2012 الأحد 2 سبتمبر
أنا على ثقة نكم في ايلاف تففتقدون المصداقية !! والدليل أنكم منعتم تعليقي من النشر ومن ثم تم الرد عليه في التعليق الرابع على ماذا يدل هذا ؟ ان ما كتبته قد تم عرضه على بكر الذي اعتبرني حاقدا لمجرد انني قلت ما قلت مع انه لايحتوي على غير الحقيقة!!!
***
التعليق المشار إليه كان التالي:
4.تعليق 1 اين البرهان
متابع لايلاف - GMT 8:43 2012 الخميس 30 أغسطس
لا شك انه تعليق مسيء وخارج اطار الموضوع ولهذا لم يتم نشره حسب اعتقادي. قرأت المقال مرتين ولم اجد ثناء او مديح سوى كلمات تقديرية لرسامين راحلين وهما محمود كحيل وناجي العلي واذا كان الحديث عنهما مديحا فهو رثاء لابداعهما. والمقال تذكر بعض الجوانب من العمل الصحفي تشمل اشخاص وشخصيات معروفة وهذا ليس مديحا. أين البرهان يا أحمد؟ كيف استنتجت ذلك لا افهم ام ان هناك حقدا دفينا شخصيا وانتهزت الفرصة للتعبير عنه في هذا الصفحة.
***
رددت بتعقيب هنا نصه:
9.اعترض فأصاب وافترض فأخطأ
بكر عويضه - GMT 16:32 2012 الأحد 2 سبتمبر
للتو (الأحد 02 سبتمبر 2012 الساعة الثالثة والنصف عصرا توقيت غرينتش) قرأت تعقيب السيد الفاضل أحمد برهان. درجة الغضب في ما كتب واضحة. وهو من دون شك محق من جانبين، أولهما مصادرة تعقيبه الأول. ثانيهما نشر رد معترض عليه.بدايةً يجب التأكيد للسيد برهان أنني ضيف في quot;إيلافquot;، مثله تماما، ليست لديّ أية مسؤولية في التحرير تجيز لي أي تدخل في ما يُنشر، أو يُصادر. ومن هنا، فإن الصواب قد جانب السيد برهان، حين افترض أن تعقيبه الأول جرى عرضه عليّ، فمنعتُ نشره، وهو انطلق من افتراضه ذاك، فجانب الحق، وظلمني، الأرجح من دون قصد، إذ اعتبر أن ما ورد في الرد رقم 4 المنشور بإسم quot;متابع لإيلافquot; هو quot;رأي بكرquot; فرد أحمد بغضب quot;الذي اعتبرني حاقدا لمجرد انني قلت ما قلت مع انه لايحتوي على غير الحقيقة !!!كلا، سيد برهان. ليس الأمر هكذا. مع ذلك، أجد لك العذر، إذ لعل أسلوب من كتب الرد رقم 4 أعطى بعض انطباع أن quot;متابع لإيلافquot; قرأ تعقيبك الممنوع من النشر، واستنتج ما شاء له الاستنتاج. إنما، أخشى أنني هنا أيضا أقع في إشكالية افتراض بشأن المعلق بإسم quot;متابع لإيلافquot;، مما قد يعني ظلم طرف آخر.على كل حال، قرار قسم التعليقات في quot;إيلافquot; أن تعقيبك الأول quot;مخالف لشروط النشرquot;، ليست لي أية صلة به. ما قرأت تعقيبك، وما افترضت فيك إلا الخير، بصرف النظر عما كتبته أنت، ولم أقرأه أنا، حتى الآن، ولن أقرأه إلا إذا غيرَ قسم التعليقات القرار، فنشروا ما منعوا حتى تتاح للجميع فرصة الاطلاع على quot;ما قلتquot; في تعقيبك، خصوصا إن كان quot;لا يحتوي على غير الحقيقةquot;.لقد أردت تأكداً أن تعقيبي (شكر وتوضيح) جرى نشره، إذ كنت أرسلته لقسم التعليقات أمس، كما أي قارىء، فقرأت تعليق السيد احمد برهان. في الوقت ذاته، أود الإشارة الى تعقيب السيد علي أبو خطاب، بإعادة تأكيد حقيقة أن اغتيال ناجي العلي يبقى ملفاً مفتوحا، ليست هناك إدانة قضائية تدين أي شخص أو جهة بتهديد المغدور أو قتله. مع تكرار الشكر لكل إسهام في إثراء أي حوار.
***
رؤية متشككة.. و quot;دقة قديمةquot;

لست أدري ما الذي يقدم افتراض استقصاد المصادرة، فضلا عن الاعتقاد أن كل تعليق، إن في quot;إيلافquot; أو غيرها من منابر الإعلام الانترنتي، يُنشر أو يُحظر بعلم مسؤول الموقع أو بأمره، ثم إمعانا بفقدان الثقة ثمة من يجزم ان كاتباً ما هو نفسه يتحكم بما ينشر من تعليقات تخص مقالته. أما آن لمثل هذه الرؤية المتشككة أن ترى كم أن مساحة حرية الفضاء تتسع لكل الرؤى، وأن السبب الأرجح لاعتبار أن التعليق quot;مخالف لشروط النشرquot;، هو بالفعل سبب مِهني فقط.
من جهتي، بدأت تجربتي مع صحافة الانترنت بدور استشاري، هنا مع الزميلات والزملاء بأسرة quot;إيلافquot;، وكان لي رأي صارم يخص التعليقات ينتمي الى مدرسة إهمال أي تعليق لا سبيل للتأكد من مصدره وحقيقة إسم المرسل وعنوانه، وكدت أشير بضرورة وجود رقم هاتف أيضا. بالطبع، كان هذا ضربا من المستحيل. ها أنذا الآن، مع تمدد اخطبوط إعلام ما بين السموات والأرض، وتكاثر عجائب فيسبوك وتويتر، استطيع رؤية أن مبدأ quot;مخالف لشروط النشرquot; بات quot;دقة قديمةquot;، وما عاد من ضابط لحُسن القول وخُلق المخاطبة، إن بما يكتب الكاتب أو بما يراه المعلق، إلا اعتماد القول الجميل quot;كل إناء بما فيه ينضحquot;. فلتشرع أبواب التعليقات ونوافذها، وليترك مسؤولو صحافة الانترنت للناس حرية أن تختار بين إناء وآخر... بما ينضح.
*رابط مقالة الأربعاء الماضي:اضغط هنا