الجزء الاول

تقترب الثورة من اتمام عامها الثاني، وبشار الأسد لا يزال قائماً على رأس السلطة، يؤكد على انتصاره في معركة الوطن، ربح الكثير، ببقائه مسيطراً مدعوماً من روسيا وأيران. أما المعارضة فقد خسرت الزمن والعديد من المبادرات والثورة السلمية، والكثير من الوطن، فقد تحولت الثورة إلى صراع عسكري، اسلامي ndash; طائفي، وتفاقمت دور التيارات المتنوعة ضمن الثورة، وظهور تيارات حديثة شاذة عن جسمها ومفاهيمها، تنتهز الفرص من خلال دعمها للثورة. ورغم ذلك لا تزال بؤرة الشبيحة لم تتلقى أية أذية، قرداحة لم تتلقى حتى اليوم طلقة، ولم يدمر فيها مسكن، ولم يرى ساكنيها اشلاء طفل رضيع، لم تنقطع عنهم الكهرباء، كل الخدمات متوفرة حتى اللحظة، فالثورة في جغرافية لا تمت اليهم، والصلة الانسانية أو الاجتماعية مع الثورة أو الداخل السوري ملغية من منطقهم. مدن تدمر بدون احساس، وشعب يذبح بدون شعور بالالم، سلطة لا تزال باقية تعبث بالشعب، بمخالب في القرداحة، وهيئة شاذة في قاسيون. سوريا لا يزال يحكمها مغرور يهدد وبرعونة الطاغية المستبد، يتحدث ويتآمر على طريقة المستعمر الخارجي، بدل الأسرى السوريين بأسرى خارجيين، وشبيحته في أيدي المعارضة لا يسأل عنهم، طلب الحوار مع قوى لا وجود لها، يواجه الشعب باسلحة الدمار الشامل، ويصرح للبشرية بأنه يدافع عنهم. يتكلم بقوة المنتصر، وكأنه يصارع دولة أخرى، يدمر ويقتل الشعب بالقدر المستطاع.

لا شك أن بشار الأسد لم يخسر بتدمير الوطن، فهو لا ينتمي إليه، يحاول دفن الشعب في مقبرة، لأنه لم ينتمي إليهم يوما ليشعر بوجودهم، أنه لم يخسر السلطة بعد، ولا البعض من شبيحته المقربين، بل ربح الكثير من وراء الدمار، فالمعارك في المدن لا تعنيهم شيئاً، طوال سنتين من عمر الثورة ومعظم الذين قتلوا من الجنود هم أبناء الشعب السوري الثائر، باستثناء مجموعات من الشبيحة الذين كانوا من ضمن الفاسدين المستعمرين للوطن.

الثورة والثوار هم الذين خسروا الكثير، حتى ولو كانوا قد تقربوا من نهايات اسقاط السلطة، لكنهم دفعوا ثمن ذلك آلاف الشهداء وملايين المهجرين، وتدمير شبه كامل للبنية التحتية في الوطن، ومجاعة في الوطن، ولا شك إن كل هذه الجرائم هي من فعل السلطة، وستفعل المزيد، فهي بهذه الشنائع تربح وجودها، والمعارضة والشعب يخسرون جزء من كيانهم، التيارات التكفيرية تجاهد على ارض الوطن السوري من اجل الذات حاضراً وما بعد الموت بقناعة الشهادة، لا يهمها الدمار مثلما لا تهم السلطة، فهما جهتين متنازعتين متفقتين على خلق الفظائع، والوطن السوري بثورته ترفضهم مثلما ترفض الطاغية و نظامه بكليته.

أي الجهتين تحكم، وأي السيطرتين اهم، الارض أم الجو؟ كل من جهته يفضل مكانه، المعارضة تسيطر على معظم المعابر الحدودية، مع ذلك تصل المساعدات إلى السلطة، وتسيطر على معظم الجغرافية، مع ذلك للسلطة القدرة على قطع أو توزيع المؤونة، والرواتب، والمحروقات، فماذا كان ثمن هذه السيطرة على المدن المدمرة والتي خليت معظمها من شعبها، وماذا كان ثمن القضاء على السلطة في هذه المدن؟ وهل فعلا ستخسر السلطة عند سقوط حلب ودمشق بشكل تام؟ لا أظن! سيكون الانتصار روحيا معنوياً من حيث مفاهيم السيطرة على السلطة وظهور الهيمنة، وليست من منطق مفاهيم ثورات ربيع الشرق، التي بدأت سلمية وكان من المتوقع أن تنتصر سلمياً، أو على الاقل بدون هذا الدمار الفظيع! السلطة لا تزال لها عمقها الاستراتيجي والذي لم تطالها طلقة بعد! وهنا وقع الجيش السوري الحر والكتائب الثورية المسلحة منذ بداية عملياتها العسكرية في الخطأ الإستراتيجي: أولاً - عند الانجراف مع السلطة إلى هذه المعارك. وثانياً - إبقائها في المناطق والمدن التي لم تعني لسلطة آل الأسد شيئاً ما، سوى مستعمرة تابعة لمنطقتهم والتي كانت تثرى بشكل فاحش من مواردها! وثالثاً ndash; وربما هذا هو الأفظع لعدة اسباب - لسنا بصددها الان - وهو السماح للتيارات التكفيرية الإسلامية السياسية، والتي كانت حتى البارحة وليدة السلطة وأدواتها لضرب دول الجوار، وتسخيرها لمصالحها بالعبث في المنطقة، بأن تغرز نفسها في جسم الثورة، والتي بوجودها اثرت عليها أكثر بكثير مما نفعتها.

التكتيك الذي تتبعه سلطة بشار الأسد، بعد أن جْرَتْ الثورة السلمية إلى حرب مدمرة، هو أن تدفع بالمعارضة والثوار إلى الاستمرار في معاركهم وبمشاركة هذه التيارات التكفيرية، في المدن والمناطق التي تنتمي اليها معظم المعارضة، بمعزل عن مناطق السلطة الاستراتيجي، وهي مناطق

طائفتها العلوية والتي تمكنت وبحنكة في اشراك طائفتها في هذا الصراع إلى جانبها وبأغلبية ساحقة، ليتفاقم الوضع الاقتصادي المتردي في الوطن، وتتوسع رقعة الدمار، ويزداد حشود المهجرين إلى الخارج ليصبحوا عالة على دول الجوار، الذين سيصبحون هناك قضية خاصة بذاتها إلى حد التأثير السلبي على كل الدول المحتضنة لهم، ومن ثم ظهور الامتعاض الدولي والمنظمات الانسانية، عندها ستحاول السلطة طرح جملة من المقترحات ndash; كما طرحها في قاعة الأوبرا - عن طريق روسيا للوصول الى وضع حد لهذه المآسي البشرية في الداخل والخارج، أملة أن تكون قد حققت قفزة نوعية لصالحها، وهي ستكون بالفعل ضغطاً ما على المعارضة والثوار ليس بسبب قوة السلطة بقدر ما سيكون بسبب الوضع الجماهيري المآساوي، والضغط الدولي. سيعتمد بشار الأسد على مدى قدرات تحمل المعارضة في الخارج والثوار في الداخل في الاستمرار بدون قبول حوارات ما - والتي قد تطرحها السلطة ومعظمهم من الطائفة العلوية - حتى بدون بشار الأسد وعائلته، علماً بأن القوى الخفية التي تقف وراء هذه الفظائع وهم من نفس منطقته، قد يكونوا أحد طرفي الحوار، عندها أي كانت الحلول ومهما كانت نتائجها فالسلطة وأغلبية الطائفة العلوية المساندة للسلطة ستكون قد ربحت فهي لم تتأثر ولم تتدمر، والبرجوازية الإنتهازية فيها والرأسماليون الذين خلقوا من نهب أموال الشعب، والمتكونون على مدى نصف من شريحة الضباط والتجار الفاسدين و رؤساء الدوائر، هؤلاء هم الذين سيكسبون في النهاية.

الإبتعاد عن الصراع التاريخي بين الشيعة والسنة، لن يؤدي إلى وضع حلول ناجعة للثورة السورية، وهي حقيقة لا يمكن التلاعب بمدارك الذات قبل الأخرين وغض الطرف عنها، ودون تحليل قصير المدى ستكون الحلول مشوهة، وإن وجدت فإنها ستحتوي في أعماقها أوبئة قابلة للظهور في كل لحظة، والتذكير بها ليس من منطلق طائفي أو حقد وكراهية، فلم نكن يوماً منتمين إلى طائفة روحانية، بقدر ماكنا نبحث عن العلة في حجة الله لخلق هذه الاديان والطوائف، فيما إذا كان للإله فيه دور وليس كل الدور للانسان ذاته وفساده وشروره، نود على خلفية ذلك البحث في أبعاد الصراع الحاصل وأسباب أستمرارية الثورة السورية والفظائع التي تنجم عنها، والذين يسببون هذه الفظائع، ودور الهلال الشيعي الفظيع في إثارة هذا الحرب، مثلما هناك دور لدول أخرى سنية في دعم الثورة بشكل مباشر، وهي معروفة، حتى ولو كانوا كمصالح أو دول، أو إتجاهات طائفية سياسية باسم الدين الإسلامي، ولا يختلفون عن بعضهم كثيراً، لكن الفرق هو الموقف من المنطق الإنساني في الحاضر السوري، ومدى التقرب من المفاهيم الحضارية الحاضرة.

يتبع...

الولايات المتحدة الأمريكية

[email protected]