يوم كيبور أو عيد الغفران، هو اليوم العاشر من شهر laquo;تشريهraquo; الشهر الأول في التقويم اليهودي، وهو يوم مقدس مخصص للصلاة والصيام فقط، كما هو مذكور في العهد القديم في سفر اللاويين (16 :29 - 34). وكلمة laquo;كيبورraquo; مشتقة من جذر سامي قديم في اللغة الآكدية بمعني laquo;غسلraquo;، ويستخدم في اللغة العبرية بمعني laquo;التكفيرraquo; أو laquo;غسل الخطاياraquo; وفي اللغة العربية بمعني الغفران وطلب الرحمة.

وحسب التراث الحاخامي، فإن يوم الغفران هو اليوم الذي نزل فيه موسي النبي من سيناء، للمرة الثانية، ومعه لوح الشريعة، حيث أعلن أن الرب غفر لهم خطيئتهم في عبادة العجل الذهبي.
أما في السادس من أكتوبر عام 1973، الموافق عام 5733 حسب التقويم اليهودي فقد أصبح هذا اليوم يعرف بlaquo;حرب يوم الغفرانraquo; في إشارة إلي العبور العظيم للقوات المسلحة المصرية قبل 40 عاماً من اليوم.
العبور الثاني لمصر (والأصعب) ndash; في تصوري ndash; تم هذا العام من فخاخ وبراثن الفاشية الدينية (للإسلام السياسي) والاستعمار الإخواني إلي آفاق الدولة المدنية (اللامحدودة) ndash; ولو تحت غطاء عسكري - ومن التبعية الكاملة لأمريكا والاعتقاد الساداتي بأن (99%) من أوراق اللعب في يدها، إلي اجبار أمريكا علي تغيير سياساتها وخططها في الشرق الأوسط وقلب معادلات القوي الإقليمية رأسا علي عقب.
في المقابل تقف إسرائيل في نفس الخانة تقريبا من الغطرسة والجمود الإيديولوجي والأفق السياسي المأزوم، علي كل الجبهات، وكأن 40 عاما غير كافية لاستيعاب درس يوم كيبور الذي لخصه quot; شلومو بن عامي quot; وزير خارجية إسرائيل الأسبق، قائلا : quot; الخطأ الذي ارتكبته إسرائيل في أكتوبر 1973 سياسي أكثر من كونه عسكريا، واستراتيجي أكثر من كونه تكتيكيا ــ وبالتالي فإن هذا الخطأ يتصل بشكل خاص بما يجري اليوم، حيث ينبغي لإسرائيل أن تتبنى سياسة سلام قوية كركيزة أساسية لعقيدتها الأمنية .. (بدلا من دفع أمريكا لحروب جديدة في الشرق الأوسط quot; نيابة عنها quot; ضد سوريا وإيران)!
الذي يجمع بين العبور الأول للقوات المسلحة (الباسلة) والعبور الثاني بعد أربعين عاما، هو quot; الإرادة quot; وquot; الحنكة quot; وquot; اليقظة quot; .. فقد كانت quot; إسرائيل quot; ومن بعدها quot; الإخوان quot; مخمورين بنشوة الانتصار لدرجة أن الرئيس المعزول محمد مرسي أعلن أن الإخوان المسلمين سيحكمون (500 سنة) قادمة، مثلما كانت تروج اسرائيل تماما من أن عبور quot; خط بارليف quot; أكبر مانع مائي في التاريخ (آخر المستحيلات)! ..
ويبدو أن هذه هي( آفة) كل الأنظمة القائمة علي أساس ديني - ومكمن خطورتها وquot; نهايتها quot; أيضا ndash; وتتمثل في عدم التمييز الدقيق بين (الأساطير الدينية) سواء كانت يهودية أو مسيحية أو إسلامية وبين (الظروف الموضوعية) التاريخية، مما يفقدها عادة أي اتصال حقيقي بالواقع أو حتي رؤية مستجداته وتحدياته ناهيك عن فهمه أصلا!.
المصريون ثاروا في العبور الثاني ضد الظلم والقهر والاستعمار ndash; الداخلي والخارجي - (ضد التمييز بينهم علي أساس الدين والإيديولوجيا)، ورفضوا صراحة أن يعاملوا كمؤمنين وغير مؤمنين لأنهم لا يؤمنون (في قرارهم أنفسهم) غير بquot; المواطنة quot; وأكثر من ذلك، فإن الاعتقاد الشعبي العام أن quot; الضيف quot; صاحب بيت، وأن من يشرب من (نهر النيل) يصبح مصريا بالضرورة لأنه سيعود من جديد ليرتوي من حلاوة عذوبته!
هذه المعاني التي أراد الإخوان تجريفها ومحوها (تتناقض) مع اعتبار أصحاب البلد هم quot; الضيوف quot; أو quot; الدخلاء quot; الذين يجب قتلهم وتهجيرهم واضطهادهم! وأن المسلم الماليزي أو الباكستاني أقرب للمسلم المصري من المسيحي أو اليهودي أو البهائي أو اللا ديني المصري! .. لذا فإن quot; العبور الثاني quot; بعد أربعين عاما أهم وأخطر من العبور الأول 1973، لأنه سيرسم ملامح المستقبل الجديد الذي يتشكل بنا مثلما سيعود ليصيغ ملامحنا وهوية أجيالنا في المستقبل .. ولأن اختراع quot; العجلة quot; أو اكتشاف quot; الكهرباء quot; ليس ممكنا اليوم، دعونا نأخذ في دستورنا الجديد ومؤسساتنا المختلفة (بآخر ما توصل إليه العالم المتقدم) وننفض عنا غبار أربعين عاما وأكثر .. دعونا نجرب ولو مرة واحدة مقولة quot; اسماعيل صدقي quot; الشهيرة : quot; أن نصبح آخر المتقدمين، أفضل لنا من أن نكون أول المتخلفين quot;!