لا أناقش في أهمية الإعلام ndash; فذلك من بداهة القول ndash; ولكن تيقظ في الذاكرة طيف ظللنا نعيش لعشرات من السنين محاطين بمناخ إعلامي طُبخ في مصانع الإرهاب، حيث كانت تختلق الحوادث وتزور الحقائق، وتدبج الكتابات وفق الأهواء..
وكان (الجوبلزيون) يسلطون إعلامهم المتخلف ndash; كتخلفه على كل نواحي الحياة في بلداننا - فيبرزونها بشكل مناقض تماماً لحقيقتها.. فالأستبداد في عرفهم (ديموقراطية)، والتعسف (عدالة)، والجهل (حكمة وتروي).. الخ.. الخ.. ويكفي أن نلقي الآن نظرة على الاعلام الخليجي بشكلٍ عام وهو يبرز كل شيء بملائكية متناهية!!.. لندرك حقيقة ما جئنا عليه آنفاً!!..
وكانت جوقات المنافقين من ذوي المواقف الإنتهازية، باعة الضمير والقلم، هم الأدوات التي يُعتمد عليها، مما أسبغ على الحركة الإعلامية زيفاً لا متناه، ومسخاً فاق كل التصورات!
* * *
bull; غير أن جهود بعض الشرفاء ممن أبوا إلا أن يقفوا سداً منيعاً في مواجهة إستشراء هذا الميكروب الفتاك مستخدمين (مصلاً) يمحق وباء الزيف والتضليل، وبعضهم لم يُلق بقلمه حتى أودع السجن، ومنهم من دفع حياته ثمناً من أجل عقيدته، ومنهم من التجأ لشتى الأساليب للتعبير عما يؤمن به تجاه وطنه، فهاجر وتنفس هواء الحرية، وفي حنايا هذه الكوكبة الأخيرة، يهفو أشتياق لا يعدله إشتياق ليوم العودة إلى أوطانهم عندما تتوفر لهم الظروف الملائمة، وما يؤمنون به من حرية العمل في أجواءٍ صحية!!
bull; وقد تعرض عدد من الكتاب والصحفيين العرب إلى تصفيات جسدية، وبغض النظر عن إتفاقنا أو أختلافنا مع البعض منهم، إلا أن الحكم على الأقلام بالموت جريمة لا تُغتفر!
1. ففي (79 ndash; 6 ndash; 20) إغتيل الكاتب الصحفي العراقي عادل وصفي في بيروت.
2. وفي منتصف شهر فبراير (1980) إغتيل الكاتب الصحفي الليبي محمد مصطفى رمضان في لندن.
3. وفي (1980 ndash; 6 ndash; 20) إغتيل الصحفي السوري فائق محمد في حمص.
4. وفي (1980 ndash; 2 ndash; 24) عثر على جثة الصحفي اللبناني المعروف سليم اللوزي في بيروت وجسمه مشوه، وأصابعه مقطعة.
5. وفي (1980 ndash; 7 ndash; 20) أطلق الرصاص على نقيب الصحافة اللبنانية رياض طه.. فأرداه قتيلاً في بيروت.
6. وفي (1980 ndash; 8 ndash; 20) أُغتيل الصحفي الللبناني يحيى حزّوري.
7. وفي (1980 ndash; 9 ndash; 11) قُتل الكاتب الصحفي اللبناني موسى شعيب.
8. وفي (1981 ndash; 7 ndash; 2) أًطلق الرصاص على السياسي والكاتب الصحفي صلاح الدين البيطار في شارع (كلود برنارد) في بارس فمات مضرجاً بدمائه في الشارع!!
9. وفي (1980 ndash; 5 ndash; 1) أُغتيل رسام الكاريكاتير الصحفي عزيز علي.
10. أما إغتيال الرسام ناجي العلي الذي تم في لندن، فالحديث عنه بلا حرج.. - سنأتي عليه في نهاية المقال -.
11. وكان قبل كل هؤلاء، وأولئك أن أطلق الرصاص على الكاتب المصري المعروف يوسف السباعي الذي لقي حتفه في قبرص.
bull; وكل هذه الإغتيالات سجلت ضد مجهول.. وهناك قائمة طويلة لمن إختطفوا من عالم الكلمة، كذلك هناك من وضعوا في القائمة السوداء، ولم يُسمح لهم بالتجوال في مرابع أوطانهم..
نعم.. إن عالمنا يمر بظروف مؤلمة، ومع هذا فإنه لا يخلو من أولئك الذين تزخر أقلامهم بالعطاء النابع من المعاناة، وهي النبتة الأولى لشجرة الحرية التي ينشدها الشرفاء من حملة الأقلام في أوطاننا، وإنهم لفي إزدياد!!.. مع أن الاحصائيات الأخيرة لنزف واغتيال الصحفيين قد ذكرت أرقاماً مذهلة خاصةً في العراق وفي اليمن وفي سوريا وتونس.. أما الأسباب فهي واضحة!!..
bull; وأما السبب الذي اغتيل من أجله الرسام ناجي العلي في لندن منذ عقدين ونيف، فإلى جانب رسومه المنتقدة للقيادة الفلسطينية برئاسة عرفات، فقد كتب مقالة قصيرة أوردها كما نُشرت، قال ناجي العلي :
(هل تعرفون رشيدة مهران؟!.. لا تظنوا أنها إحدى الفدائيات، رشيدة مهران سيدة مهمة، رشيدة مهران تركب الطائرة الخاصة لرئيس منظمة التحرير، وتسكن قصراً في تونس، وتقترب وتبعد في المنطقة وهيئاتها، وهكذا فهي مهمة للغاية، ألفت كتاباً عن الزعيم الفلسطيني وقالت فيه : إنه إلاهها، طبع بطبعات فاخرة، وأرادوا أن يترجموه الى اللغات الحية، ويوزعوه على مكاتب المنظمة في أنحاء العالم، فاحتار المترجمون كيف يترجمون كلمات نبيّ وإلهي المهداة للزعيم. رسمت عن رشيدة مهران هذه، علماً بأنه لا اعتراض لي على العلاقات الشخصية، ولكن حينما تمس قضية شعبي سأرسم. وبعدها إنهالت تهديدات وتهاني وتعاطف أيضاً. تصوروا أن واحداً من طرف أبو إياد أبلغني سروره من الرسم وقال : إني فعلت الشيء الذي عجز الكبار في المنظمة عن فعله، ولكنه قال إني بهذا قد تجاوزت الخطوط الحُمر في نظر البعض عندما رسمت رشيدة مهران، وإنه خائف عليَّ، وإنه يجب أن أنتبه لنفسي، قلت له : يا أخي لو انتبهت لحالي لما بقي لديَّ وقت أنتبه فيه إليكم وإلى ما تقولون).
ناجي العلي
(نُشرت في الأزمنة العربية التي تصدر في قبرص quot; العدد 107، 15 آب 1987 quot;)
bull; ولو أردت الاتيان على نماذج مما كتبه الصحفيون الذين دفعوا ثمن حياتهم لها، لقرأتم العجب العجاب!!..
* * *