أولئك الذين جاءوا الى أرضنا وليس في قلوبهم غير الحقد و البغض للاسلام والمسلمين في حملات صليبية متكررة، نقف اليوم على واقعة يصورها هذا الحوار الذي دار بين (رموند) ملك طرابلس، و(جيرار ديرد) رئيس فرسان المعبد:
- أنتم السبب ياسيد جيرار!
- من تعني بكلمة أنتم؟!
- أنت بالذات.. ورجالك.. تسمون أنفسكم فرسان المعبد!!
- لقد بدأت أصدق مايقال عنك يا ملك طرابلس!!
- صدّق ما يحلو لك، أنا أعرف تماماً ما أفعل!!
- وما تفعله لايشرفك!!
- وهل يشرفك أنت ما تفعله بقرى المسلمين التي تغزوها برجالك بالذبح والقتل والحرق؟!...أهذه هي الفروسية التي تمارسونها تحت اسم الله؟!
- لاعهد عندي لغير المسيحين!!
- غيّروا اسمكم إذن إلى لصوص المعبد!!
- هؤلاء اللصوص يحمون تاجك في طرابلس!!
- أحمي تاجي بقواتي..
- بل قل: بقوات صلاح الدين!!
- لا أظنك تثيرني بهذا الكلام يا جيرار، بيننا وبين صلاح الدين
هدنة، فخرقتها أنت وصديقك المتهور شايلتون صاحب الكرك حين هاجم قافلة حجاج المسلمين!!
- أنا الذي حرّضته على ذلك كي نجرّ صلاح الدين الى الحرب..
- إن صلاح الدين لقادرٌ على سحق الكرك في نهار واحد..
- سنتحرك جميعاً لمواجهته، وتلك هي خطتي!!
- وما هدفك؟!
- حماية الدين!!
- جيرار..أنت وفرسانك آخر من يتكلمون عن الدين، فرائحة ما يجري في حروبكم تزكم الأنوف!!
- ورائحة مايجري في قصر زوجتك بطبرية مع قادتك وصلت إلى أوروبا..وإني لأحذرك، إذا لم تنضم إلينا في مواجهة صلاح الدين سنجردك من طرابلس وطبرية بعد أن ننتصر على المسلمين!!..
* * *
مذبحة قافلة الحجاج المسلمين إستثارت صلاح الدين الأيوبي، فوصل من القاهرة الى دمشق، وبسرعة احتل الكرك، انتقاماً من قائدها الذي قاد المذبحة، وبنفس السرعة حاصر طبرية، وهنا ركب الذعر (ريموند) ملك طرابلس الذي هداه تفكيره الى الذهاب لمقابلة صلاح الدين سراً..
- أيها الملك ريموند، طبرية أرض المسلمين، فلا تطلب مني أن أدعها لكم مهما كانت الوعود، لأنني لم ألق منكم غير الغدر و الخيانة...طلبتم هدنة.. وافقت.. طلبتم أسراكم أعدتهم إليكم.. وها أنتم خرقتم الهدنة بهذه المذبحة البشعة!!
- لا أطلب أيها السلطان العظيم غير رفع الحصار عن طبرية.. بها زوجتي و أولادي..
- أمهلك ساعات لدخول طبرية، والخروج منها بزوجتك و أولادك..
- وما يجدني هذا؟!
- فأنت لم تأت إذن في شأن أهلك؟!..يا ريموند، لن أفك الحصار عن طبرية!!
- لكل شىء ثمن أيها السلطان!!
- وما ثمن فك الحصار عن طبرية؟!
- دع لي طبرية، وأنا أعدك أن أنسحب من جيوش أعدائك وسط المعركة!!
- لا أثق بوعودكم!!
- ما نكصت مرةً وعداً قطعته لك أيها السلطان.. دع لى طبرية وطرابلس.
- أما طبرية فلا ياريموند..
- لكأنك تنوي أن تكون المعركة عندها؟!
- من يدري؟!
- طرابلس إذن.. دع لي ملك طرابلس..
- بشرط أن تكون والياً عليها من قبلي..
- وأفقد تاجي؟!!
- لن يكون في أرض الاسلام تاج لغير أصحابها يا سيدي!!
- قبلت..على أن تحميني من انتقام الأمراء الصليبين اذا هاجموا طرابلس!!
- سأحمي طرابلس ومن فيها، أرض المسلمين..
* * *
وتم الأتفاق الشفهي، لكن صلاح الدين الذي اعتاد الخيانة من الصليبين لم يكن الى وعود ريموند، ووضع خطة حرب شاملة دون الاعتماد على وعدٍ مضمون.. وببراعته المعروفة في التكتيك، خدع الصليبين خدعة قاتلة..
أراد أن يجبر جيوشهم على المسير اليه عبر الصحراء حتى طبرية ليصلوا اليها منهكين متعبين، في حين ادّخر جهده و جهد رجاله..لم يكن حصاره لطبرية غير الطعم المسموم.. ساروا نحوه في أرض قاحلة، ينهكهم العطش، وتفعل في قواهم حرارة الشمس الملتهبة.. وماصاروا على مشارف بحيرة طبرية، حتى وجدوا جيوش صلاح الدين بينهم وبين الماء تلجئهم الى ركوب تلال حطين عطاش متعبين..في حطين كانت نهايتهم،أُبيد الجيش الصليبي، ووقع كل قواده وملوكهم في أسر صلاح الدين..
وكتب التاريخ:
quot; إن حطين كانت نهاية الحملات الصليبية quot;..
وكان لقضاء المسلمين كلمتهم، فقال صلاح الدين للقاضي الفاصفي:
- أسر قواتنا أكثر من خمسمئة رجل من فرسان المعبد وفيهم رئيسهم جيرار.. وأنتم أدرى بما فعل الناس بالمسلمين، فما ترى في أمرهم يا سيدي القاضي؟! - ما يأمر به ديننا.. نعرض عليهم الاسلام، فمن أبى يجرى عليه ما يجري على الاسرى من أسترقاق أفداء..
- (في مرح).. يا سيدنا القاضي..فرسان المعبد يتباهون في كل مكان بأنهم وحدهم يحاربوننا باسم الدين..أمثل هؤلاء المتعصمين يدخلون في الاسلام؟!
- ما علينا الا البلاغ!!
* * *
وظن فرسان المعبد انه ليس أمامهم الا الاسلام أو القتل.. فتلك هي شروطهم على من يقع في أيديهم من المسلمين..
واشتد العجب بصلاح الدين حينما رأى ثلاثمئة رجل منهم يريدون الدخول في الاسلام!!
وزادت دهشته أكثر حين رأى (جيرار ديريد) رئيس الطائفة يخلع ثوبه الذي يحمل شارتهم ويدوسه بقدمه باحتقار، ثم يرتدي ثياب المسلمين ويقف في صفوفهم..
ولكن هل اعتنقوا الاسلام فعلاً؟!..أم أنهم من شدة هول الكارثة التي حلت بهم قد اتخدوا لأنفسهم عقيدة أخرى غير المسيحية والاسلام..
وهذا ما سطره التاريخ عن فرسان المعبد،اذ وُجد في معابدهم تماثيل للشيطان، وثبت ممن كتبوا عنهم أنهم كانوا يحرسون قوم لوط.. بل كتب عنهم من المخازي والرذائل مالايتسع المجال لذكره.
ولما طفحت رائحة تصرفاتهم الشاذة، أصدر الملك فيليب ملك فرنسا مرسوماً بالقبض على كل من يشتبه انضمامه الى هذه الطائفة، وقد حذا حذوه معظم ملوك أروبا حين قضوا باعدامهم، وحرق تعليماتهم السرية التي عُثر عليها في معابدهم..
والغريب أن معظم تلك المدونات كانت تبرر تصرفاتهم الشاذة بسبب ما فعله بهم صلاح الدين الايوبي في موقعة حطين.
* * *
bull; ما جئت عليه آنفاً هو لقطات تاريخية لحقبة زمنية عانت فيها المنطقة بمسلميها ومسيحيها من الغزوات الصليبية.. وأرجو ألا يُفسر هذا المقال ndash; عند البعض - بأنه يتناول الموضوع من الناحية العقائدية أو الدينية، وإنما هي ومضة واحدة من الكثير مما خلفته الحروب الصليبية من كوارث مأساوية تجرعها الانسان العربي. مسلماً كان أم مسيحياً كما قلت!!..