ثلاث إمبراطوريات مترابطات، تشد إحداها الأخريين، والثلاث هي تحت الهيمنة المباشرة للولي الفقيه، خامنئي.
إنها- أولا- إمبراطورية التمدد الجغرافي والسياسي والتخريبي، من إيران، فالعراق ولبنان وسوريا، مع الانتشار الخليوي، التخريبي والتجسسي والطائفي، في الخليج ومناطق أخرى.
وهي إمبراطورية المشروع النووي الهائل، [ ناتانز، فوردو، أراك، وغيرها، مع أجهزة طرد مركزية بعدد 19000 وكمية كبيرة من اليورانيوم المخصب]- هذا المشروع السائر قريبا لتصنيع القنبلة بلا مانع ولا رادع، وتحت مظلة بوتين- أوباما- آشتون.
وأما الإمبراطورية الثالثة، والتي لم يكن كثيرون منا يعرفون عنها التفاصيل، فهي الإمبراطورية المالية الضخمة، التي كشفت عن أسرارها وأدق مفرداتها رويترز في التقرير الميداني الطويل والموثق، الذي نشرت إيلاف أهم ما فيه، وأشارت له باختصار صحف، كالحياة.
الإمبراطورية الأخيرة،المالية، هي مركز هذا المقال.
هذه الإمبراطورية تتمثل في هيئة اسمها المختصر [ ستاد]، وهي كناية عن هيئة سبق أن أنشأها خميني قبيل وفاته، وباسم [هيئة تنفيذ أوامر الإمام]. هيئة ستاد هذه تدير سلسلة عمارات وشقق على نطاق البلاد، تمت السيطرة الاعتباطية عليها بحجج مختلفة، ولاسيما تلك العائدة لأفراد من الأقليات الدينية، وخصوصا البهائيين، وقد تحولت إلى quot;كيان تجاري عملاق يملك الآن حصصا في كل قطاعات الاقتصاد الإيراني تقريبا، بما في ذلك قطاعات المال والنفط والاتصالات وإنتاج حبوب منع الحمل، بل حتى تربية النعامquot;[ التقرير]. كذلك في بعض البنوك. ورغم صعوبة حساب القيمة الإجمالية لما تملكه ستاد بسبب سرية حساباتها، لكن ممتلكاتها من العقارات والحصص في الشركات وغيرها من الأصول لا تقل إجمالا عن 95 مليار دولار. ولستاد سلطة مباشرة على القضاء، بحيث تستطيع إصدار أوامر المصادرة والاستملاك بأية ذريعة كانت، وبتهم مختلقة ومختلفة، وحتى التنكيل القضائي بمن يجرؤون على الاعتراض من أصحاب الأملاك. ويقول محام إيراني مهتم بالموضوع إن بإمكان أية مجموعة من الناس أن تطلب المصادرة باعتبارهم مع الجمهورية وصاحب العقار quot;معادياquot;. وفي 2010 أدرج الاتحاد الأوروبي المدعو محمد مخبر رئيس ستاد في قائمة الخاضعين للعقوبات quot;لضلوعهم في أنشطة نووية أو صاروخيةquot;. وبعد عامين، رفعوا الاسم من القائمة؟! لا الاتحاد ولا أميركا يريدان وضع اسم خامنئي في لائحة العقوبات، مع أنه الآمر الناهي، ماليا وسياسيا ونوويا وصاروخيا. حجة الغرب، وواشنطن خاصة، quot; لا نريد تغيير النظام الإيرانيquot;!
تقرير رويترز مسهب، ويستند لشهادات وأرقام دقيقة، وبإمكان القارئ المهتم مراجعة ما نشر منه.
خميني كان في حينه صاحب شركة سيارات لنقل الركاب، ثم استثمر في الأراضي الزراعية. وكان يشتغل له حوالي 3000 عائلة من المزارعين. ولما قام الشاه بما سميت بالثورة البيضاء في بداية الستينات، صودرت مساحات واسعة من أراضي خميني. وكان ذلك سببا قويا من بين أسباب الحقد على الشاه ونظامه. وفي العراق، يملك بعض كبار رجال الدين استثمارات ومشاريع كثيرة، جميعها في إيران، برغم أنهم يعيشون حياة زهد وتواضع. أما خامنئي، فقد فاق الجميع، وتجاوزت الثروة التي تحت تصرفه بكثير كل ثروة الشاه. ورغم أن لا دليل على استغلاله لستاد لمصلحته الشخصية، فإن هيمنته المطلقة على الهيئة تجعله فوق كل رقابة وحساب، قضائيين أو برلمانيين أو إعلاميين، وبإمكانه الصرف على مشاريع التمدد الجغرافي والطائفي والنشاط النووي وتسليح المليشيات وشراء الأنصار ووسائل الإعلام وتمويل اللوبي الإيراني في عقر ديار الغرب. وهكذا فإن قدرات ستاد المالية تعزز وتوسع التحركات والنشاطات الإيرانية الأخرى. ولعل من هذه الثروة الموضوعة تحت تصرف الولي الفقيه، الذي يتجنب الغرب محاسبته وحتى الإشارة له، ما يصرف على شراء السلاح لنظام الأسد وما ينفق على قوات فيلق القدس التي تحارب في سورية وكذلك على المليشيات الحزبية العراقية.
عيش وشوف! رجال الدين مفترض فيهم البعد عن السلطة وعن ثروات العباد، وصرف ما يأتيهم من quot;خمسquot; وسواه على المحتاجين. ولكن أمثال خامنئي والمقتدين به، يقدمون صورة مناقضة تماما. وقد يصرفون قليلا على quot; مشاريع خيريةquot;، ولكن مركز التركيز هو على غير ذلك، والنشاطات الخيرية نفسها قد تكون ملغومة. وفي العراق مشاريع إيرانية كثيرة بعنوان أنها quot; خيريةquot;، مع أن طبيعة أهدافها هي في نشر النفوذ وتأجيج الطائفية.
في الوقت الذي يعزز فيه نظام خامنئي هيمنته في المنطقة ويوسعها، فإن الإدارة الأميركية تبشر العالم بقرب التوقيع على صفقة العمر حول النووي، الصفقة التي لن تمنع إيران من مفاجأة العالم ذات يوم قريب بأنها صارت بالفعل دولة نووية. ولتُترِكْ لأمرها شعوبُ سورية والعراق ولبنان والخليج، والشعب الإيراني بالذات، وليترك أمن المنطقة واستقرارها؛ فلها من سيحميها- الولي الفقيه بالذات!!
التعليقات