بعد التغيرالكبير الذي حصل في العراق المتمثل بالسقوط المدوي لنظام صدام حسين تمنيت ان يكون هناك خط ساخن بين بغداد والرياض، جاء ذلك على شكل مقال في موقع ايلاف على اثر زيارة قام بها رئيس الوزراء العراقي السيد نوري المالكي إلى المملكة وحسنا فعل في وقتها، ولكن للاسف الشديد كان هناك موقف غير مماثل من الطرف الآخر،وفي حينها قلت ما معناه ان المملكة العربية السعودية ربما كان لها مثل هذا الموقف لاعتقادها بان السيد نوري المالكي رجل اديولجي وليس رجل سياسة...
هذا الموقف تسبب في فراغ سعودي في العراق، كان وما زال جزء من فراغ عربي في العراق، وهوالامر الذي اشار إليه اكثر من محلل سياسي مهتم بالشان المشترك بين العراق ومحيطه العربي، ويرى كثير من هؤلاء المحللين ان الفرا غ العربي في العراق يعود بشكل رئيسي الى الفراغ السعودي في العراق، لما للمملكة العربية السعودية من تاثيركبير على العالم العربي والاسلامي، وفيما قال بعض المحللين ان العراق عاد إلى دوره الاقليمي والعربي بعد انعقاد مؤتمر القمة في بغداد قال آخرون إن هذه العودة ما زالت في مهدها اذا لم تعد المملكة العربية السعودية الى العراق.
الفراغ العربي في العراق خاصة على مستوى السعودية ترك الساحة العراقية للاخرين بان يكون سادتها بشكل وآخر، وهذا امر طبيعي، فان الدول تكره الفراغ كما هي الطبيعة، خاصة الدول التي تجتاحها عملية تغيير مفاجيء ومثير، اضف الى كونها خليط عرقي وديني ومذهبي، والعراق مثال صارخ في هذا المجال.
مراقبون يستغربون مثل هذا الموقف من المملكة العربية السعودية وهي التي تملك حدود طويلة مشتركة مع العراق اولا، وتملك ثقلا معنويا هائلا في العراق ثانيا، ولها علاقات حميمة وذات امتداد تاريخي عريق مع عشائر عراقية اصيلة، سنية وشيعية ثالثا، ولان العراق تخلص من نظام حكم ديكتاتوري كان قد خلق الكثير من المشاكل للسعودية رابعا، ومن ثم هناك من صناع القرار السياسي العراقي من يملك علاقات وطيدة مع الرياض خامسا، ومن هناك كان امل توقع هؤلاء المحللين ان تكمل المملكة رسالة المؤتمر الذي حصل على ارضها بين سنة العراق وشيعته في مكة والذي خرج بوثيقة مكة الشهيرة، فما الذي حصل إذن؟
لقد صرح مرّة وزير الخارجية السعودي السيد سعود الفيصل بان مشاكل العراق ستبقى عالقة إذا لم يتجاوز العراقيون المُشكِل الطائفي، وان المملكة لا تتدخل بالشان العراقي إذا لم يُطلب منها ذلك، ولكن واقع الحال هو الذي يطلب، كما ان ترك الساحة العراقية من قبل المملكة وغيرها من الدول العربية يجعل هذه الساحة مكشوفة بالكامل لدول غير عربية، وهو الذي حصل فعلا !
ان استقرار العراق يؤثر حتما على استقرار المملكة، اي يزيد من استقرارها، والعكس صحيح ايضاـ لا يوجد استقرار مطلق ـ خاصة وان كلا البلدين ابتليا بفتنة الارهاب، ارهاب المتشددين باسم الاسلام، فقد عانت المملكة من هذه الظاهرة الشاذة كثيرا، والعراق كانت معاناته وما زالت اكثر، فما المانع إذن من تعاون البلدين وبشكل سترايتجي على مواجهة هذا الارهاب المدمر؟
أن علاقات عراقية / سعودية متينة على المستوى الاقتصادي ينعكس بالخير على كلا البلدين بلا شك، خاصة وان كلا البلدين نفطيان، وهناك حاجات اقتصادية متبادلة بين البلدين، فما المانع اذن من تحقيق هذا المنجز الدبلوماسي / الاقتصادي الكبير بين البلدين الجارين؟
ان هناك محاولات تجري على قدم وساق من هذا الدولة او تلك أو هذه التجمعات المتشددة أو تلك على خلق متاعب للمملكة العربية السعودية وعلى استمرار الاوضاع متازمة في العراق، اي استهداف كل من بغداد والرياض معا فما هو المانع اذن من عود ة العلاقات السعودية / العراقية بعمق وشفافية وتفهم مشترك؟
إن اعادة العلاقات السياسية بين بغداد والرياض يساهم فعلا في توفير فرص اكثر غنى تمتين مشروع السلم الاهلي في العراق والسعودية، فهناك علاقة روحية بين المملكة والكثير من مكونات الشعب العراقي، والعراق لا يعدم مثل هذه العلاقة بشكل واخر، وبالتالي لماذا هذا التعثر في اعادة هذه العلاقة وباسرع وقت ممكن؟
ان خطوة المملكة العربية السعودية الاخيرة تجاه إعادة العلاقات مع العراق بعد انعقاد المؤتمرالاسلامي في القاهرة والتي جاءت بفضل حنكة وزيرالخارجية العراقي هوشار زيباري من جهة وتفهم الرياض للواقع من جهة اخرى تعتبر بداية موفقة لكلا البلدين بل للعالم العربي جميعا، كما انها خطوة بالاتجاه الصحيح في مواجهة الارهاب، ولكن تبقى خطوة تحتاج الى خطوات وبشكل سريع وذات ابعاد اكثر عمقا...
فماذا يقول المستقبل هنا؟
يبدو انه مستقبل واعد.