اكثر من خاسر فيما لم يكن للمملكة العربية السعودية حضور ناشط في العراق، أول الخاسرين هي المملكة بحد ذاتها، والشعب العراقي، والعرب عموما، ويبدو ان قادة المملكة أدركوا ذلك جيدا، ولهذا هناك تفكير في أن يكون للمملكة حضورها الجاد في ارض الرافدين، هكذا يقول مراقبون عارفون بالشان السعودي جيدا...
ولكن ما هو المقصود بالحضور الفاعل هنا؟
ان المملكة قادرة ان تكون بوصلة تواصل، جسر تفاهم بين سنة العراق وشيعته، ولقد بادرت في البداية، فان وثيقة مكة قبل اكثر من اربع سنوات ــ على ما اتذكر ــ تصب في هذا الاتجاه، وكانت المملكة هي الراعية، فلماذا لم تواصل المملكة جهودها على هذا الطريق؟
ان وثيقة مكة ما زالت صالحة لتكون منطلق بهذا الاتجاه، والمملكة اكثر من غيرها تصلح لمثل هذا الدور، فان مصر ذات اتجاه اخوني حزبي، وتركيا ليست دولة عربية، وقطر تتبنى علنا مشروع الربيع العربي، وسوريا جزء من المشكلة وليس حلا، والاردن مكتف بمشاكله وهمومه، لم يبق سوى السعودية لتؤدي مثل هذا الدور التاريخي العملاق.
ان انفتاح السعودية على شيعة العراق وسنته بهذه اللغة، اي لغة حلحلة الخلافات والمشاكل يفتح المجال لحضور سعودي نشط، خير، سوف يستقبله كل العراقيين بالرضا والقبول،لان الناس في العراق ملّت الاحتقان الطائفي وتخاف من المستقبل كثيرا، ونظرا لما تملكه السعودية من خبرة دبلوماسية عريقة، وسليقة متفوقة بالصبر والانتظار الحكيم، ولما لها من تجارب كثيرة على صعيد التوفيق في كثير من التنازعات بين مكونات شعوب العالم العربي، وتاريخها المفعم بمثل هذه الجهود، فضلا عن كونها دولة غنية، ولها علاقات وطيدة وراسخة مع امريكا واوربا، السعودية بهذه المقتربات المهمة تستطيع ان تلعب دورا رائدا في الدخول على خط الاختلافات بين شيعة العراق وسنته من أجل تقديم شيء ما يساهم في حلحلة هذه الاختلافات او التخفيف من حدتها ومضاعفاتها على اقل تقدير.
هناك شعور متبادل بين العراق والسعودية بان الارهاب يهدد البلدين، وبالتالي هناك هدف مشترك، مهمة مشتركة، تتجسد في معالجة هذا الخطر الذي يهدد كلا البلدين، وليس هناك مبرر اعمق من هذا المبرر الذي يجب ان يدفع بالمملكة لاعادة العلاقات الدبلوماسية مع العراق وعلى مستويات عالية من التمثيل، فالارهاب لا يعرف جوازات سفر ولا مخافر حدود، قادر على النفاذ بكل سهولة رغم كل الموانع، فهل من الحكمة ان يكون البلدان هدفا للارهاب بهذه السهولة والعلاقات مقطوعة بينهما أو ذات مستويات منخفضة من التمثيل؟
لا يمكن ان يكون هناك تنسيق امني فاعل بين بلدين جارين يشغلهما عدو مشترك من دون علاقات جوار عميقة وصريحة وقوية.
سبب آخر يدعو الى حضور سعودي نشط، فاعل في العراق، لقد تحول العراق إلى بؤرة خفية لنمو الفكر المتشدد، الفكرالديني التكفيري الذي يكفر جميع المسلمين، هناك تقارير تفيد ان ا لعراق ربما يتحول الى مصدر كبير لجماعات الفكر التكفيري، المملكة بدا تعاني من غلو هذا الفكر، وربما يتسبّب بمشاكل كبيرة للشعب السعودي، وفي محاضرة للامير الشاعر فيصل تطرق الى نموذجين من الفكر الذي يهدد الامة، التفكير التكفيري والتفكير التغريبي، كلاهما يدخل الامة في نفق مظلم، احدهما يهدد هويتها وتاريخها، والاخر يهدد تقدمها وتطورها، وبالتالي، لابد من حضور سعودي ايجابي في العراق للتعاون لمواجهة هذه الموجة العاتية المخيفة.
إن اعادة العلاقات السعودية العراقية ربما يمهد لتوثيق العلاقات العراقية المصرية، لا اتحدث عن تحالف ثلاثي، عراقي سعودي مصري، مثل هذا التفكير خيالي، وللاسف الشديد ان يطرح من لدن بعض قادة حكومة بغداد، وهو تفكير صبياني بسيط، بل اتحدث عن علاقات قوية، تستند إلى تبادل مصالح وليس على تكتيل جبهات دولية مقابل جبهات دولية أخرى.
ولكن هل يقبل شيعة العراق بان يكون للمملكة العربية السعودية حضورها النشط الفاعل في العراق؟