بعد ستين عاما من ديمقراطية صندوق الاقتراع في تركيا بدأت الجهود الآن لوضع دستور ديمقراطي جديد في قبل نهاية العام الحالي، واذا تحقق ذلك سيكون اول دستور يتم وضعه من قبل المدنيين وليس العسكر.
اللجنة البرلمانية التي بدأت في كتابة الدستورتشارك فيها الاحزاب السياسية الاربعة الممثلة في البرلمان بعدد متساو وهو ثلاثة اعضاء لكل حزب، بالرغم من ان الحزب الكردي، حزب السلام والديمقراطية لديه 35 نائبا فقط في البرلمان، بينما حزب العدالة والتنمية الحاكم لديه 326 نائب.
لست ادري فيما اذا كانت المعارضات السورية، وقسم كبير منهم يقيمون في تركيا اقامات طويلة تكاد تقترب من عامين، تستوعب المعنى الكبير لهذه المساواة في لجنة صياغة الدستور حيث ان كل تصريحات المعارضين وافكارهم تتمحور حول كلمة quot;الاغلبيةquot; وصناديق الاقتراع، اي الديمقراطية العددية وليست الديمقراطية التعددية التي اشاراليه الكثير من الكتاب.
الم يذهب التونسيون والمصريون الى صناديق الاقتراع؟. الم يذهب العراقيون الى الصناديق ولعدة مرات على مدى عشرة اعوام؟. النتائج امامنا و يعرفها الجميع.
صناديق الاقتراع لا تعدو كونها مجرد اداة من ادوات تحقيق الديمقراطية فقط.
لب الكلام هو ان الدساتير تصاغ بالتوافق وبالمساواة التامة بين جميع الاطياف التي يتشكل منها الشعب.
كل الدساتيرالتي جاء بها العسكر في تركيا صاغها فطاحل من اساتذة الجامعات في كليات الحقوق بالاضافة الى مشاهير الحقوقيين الكبار الاجانب من اوروبا ولكنها كانت تُفصلْ دائما على قياس العسكر وباوامرهم. هذه المرة اُستبعد الحقوقيون من لجنة اعداد الدستورالمذكور آنفا وسيلعب رجال السياسة من البرلمان الدورالاساسي في صياغة الدستور الجديد. الشعب في تركيا ايضا يشارك يوميا في هذه الصياغة من خلال منظمات المجتمع المدني والصحافة بكل انواعها والجامعات....الخ.
كما ورد آنفا فان حال الديمقراطية في تركيا هو نفس حالة الطالب خ من الشرشحة والهلهلة، اي بعد ستين عاما من عمرالديمقراطية التركية ومعاناتها من التخبط وصلت الى ماهي عليها الآن. هل ستنجح تركيا في ذلك وتنجح في الامتحان مثل طبيبنا ح في النهاية؟ البوادر مشجعة لاسيما بعد ان بدأت مفاوضات السلام في مشروع امرالي الجاري لحل القضية الكردية في تركيا ويبدو ان حزب السلام والديمقراطية الكردي سوف يقف الى جانب حزب العدالة لتمرير الدستور الجديد من البرلمان. السيد اردوغان وضع نهاية شهر نيسان القادم كحد اقصى للتوافق على صياغة الدستور الجديد.
حال المعارضات السورية وسذاجتها وسطحيتها بشأن الدساتير وجهلهم المدقع بتجارب الآخرين هي مصدر خيبة امل كبيرة، حيث انها تعتقد ان سوريا ستصبح سويد الديمقراطية السويدية الشرق الاوسط بعد اليوم الاول من سقوط النظام !!. المعارضات هي في صراع على الكراسي وهي تتشرذم يوما بعد يوم دون اي طرح فكري اودراسات بحثية في الدستورالذي سيعين مستقبل سوريا. تلك المعارضات تدعي ان المرحلة هي مرحلة اسقاط النظام اي quot;لا صوت يعلو فوق صوت المعركة quot; وكأن كل واحد منهم يحمل على كتفه مدفع رشاش في ساحة المعركة.
quot; سوريا جزء لا يتجزأ من الوطن العربي quot; اسطوانة تتكرر باستمرارعلى لسان المعارضين وترديد الشعارات لا يحتاج الى تفعيل الدماغ حيث ان اي طفل صغير بامكانه القيام بذلك. كيف يمكن تحقيق الشعار المذكور آنفاً دستوريا؟ لا احد يعرف. مجرد شعارعاطفي كغيره من الشعارات في سوق المزاودات التي اوصلت quot; الثورجية quot; الى السلطة ومن ثم الهلاك الذي جاء على ايديهم حيث تبهدلوا هم بالذات، وهم متعودون طبعا على ذلك، وبهدلوا العرب والعالم العربي وشعوب المنطقة كلها معهم الى قرن قادم. هل يعني شعار quot; سوريا جزء لا يتجزأ من الوطن العربي quot; هو ان يتوافق الدستورالسوري مع دساتيرموريتانيا والصومال؟. هل سيتقاسم السوريون بترول السعودية والخليج وليبيا دستورياً؟. هل سنعلن الحرب على العراق بسبب وقوفه الى جانب ايران ضد بقية العرب؟. هل سينص الدستور السوري على انه لا يجوز ان ينام الموريتاني والصومالي جائعا والخليجي يعاني من التخمة؟.ام ان الدستور سينص على فرض الحرب على جميع العرب في حرب القاء اسرائيل في البحر؟. اذا لم يكن هذا او ذاك، اذن لماذا هذا الكذب والدجل على المواطن العربي الشريف والبسيط وخداعه بهذا الاسلوب الشعاراتي الرخيص و الذي اتبعه النظام منذ عام 1963 بل وكل الانظمة والمنظمات الثورجية المندثرة ويكرره اليوم المزاودون المفلسون في هيئات المعارضات السورية؟ ثم لماذا لا يأتي اصحاب الشعار بمسودة دستور يحقق ما ينادون به ليضطلع عليه السوريون؟
الشعارات والخطابات والحماسة تؤدي الى ضمور الدماغ مع مرور الزمن........
للحديث بقية.......
طبيب كردي سوري
التعليقات