تقريبا، في نفس توقيت التفجير الانتحاري في (جامع الإيمان) بشمال دمشق، الذي راح ضحيته العلامة quot;البوطيquot; وحفيده و49 من المصلين والأتباع، كانت بعض وسائل الإعلام الأمريكية منهمكة في تحليل الخبر المثير الذي حملته صحيفة quot;ناشونال انكويررquot; عن القاتل الأمريكي الشاب quot;جيمس هولمزquot; الذي أعتنق الإسلام وأطلق لحيته مؤخرا في السجن، بعد أن أرتكب مجزرة زهق بها أرواح 12 شخصا وجرح 58 آخرين، نتيجة لإطلاق النار عشوائيا في شهر يوليو الماضي علي المشاهدين للعرض الأول لفيلم quot;باتمانquot; في قاعة للسينما بمدينة quot;أوروراquot; في ولاية quot;كولورادوquot; الأمريكية.

محاولات الربط بين quot;التفجير الانتحاريquot; في الجامع وquot;المجزرةquot; في السينما كانت مصطنعة، خاصة وأن quot;هولمزquot; كان مسيحيا مواظبا علي الكنيسة اللوثرية ثم تحول قبل عام تقريبا إلي ملحد علني، لكن صياغة الخبر بإتجاه معين كانت تريد توصيل رسالة محددة، فقد نقلت الصحيفة عن مصدر (لم تذكره) أن quot;هولمزquot; قام علي ما يبدو بعملية (غسيل مخ ذاتي لنفسه) ليقنعها بأن إرتكابه للمجزرة كان (جهادياً) إستهدف به عدداً من (الكفار)، وأنه أصبح يصلي في السجن 5 مرات في اليوم، ويمضي معظم الوقت في قراءة ترجمة معاني القرآن، ولم يفت الصحيفة أن تؤكد علي أن سلوكه الجديد أغضب (المساجين المسلمين)، ممن لا يريدون ربط ما إرتكبه من قتل بالإسلام.
ماذا عن موقفنا quot; نحن quot; من هذا الخبر الخطير؟.. أتوقع سيل جارف من الشتائم والاتهامات لشخصي من اللجان الالكترونية للإسلاميين وغيرهم، مع حضور كثيف لنظرية المؤامرة من الغرب المسيحي ndash; اليهودي (الكافر) والحاقد علي الإسلام والمسلمين، وليكن.. لكن هذا لن يعالج آثار الكارثة التي نحن بصددها وتداعيات quot; المأساة quot; المتوقعة بعد سنوات قليلة والتي سيعاني منها معظم من ينتمي للعالم العربي والإسلامي بصرف النظر عن دينه أو لا دينه، سواء في الشرق الأوسط الكبير أو في الغرب الكافر!
أولا : رسخت الأعمال الإرهابية المتتالية التي يقوم بها أعضاء تنظيم quot;القاعدة quot; وغيرهم، منذ منتصف التسعينيات من القرن الماضي وحتي اليوم وغدا، ان القتل صفة من صفات الاسلام، وبالتالي إعطاء ذريعة لمثل هذا المجرم ان يتخذ الاسلام كغطاء، فما قام به هذا الشاب الأمريكي لا يمثل قطرة من بحر ما يفعله القتلة من الجهاديين في كل انحاء العالم من قتل للأطفال والشيوخ والنساء في العراق وباكستان وسوريا وأفغانستان وغيرها، فقط لاختلافهم في المذهب أو الطائفة.
ثانيا : أكبر انجاز لتنظيم القاعدة في العالم هو أنه جعل اسم الإسلام مرتبطا بالإرهاب، وخطة quot; محامي الشيطان quot; الخبيثة هي أن يبين للناس في أمريكا إن الإسلام دين دموي، وقد نجح في ذلك بالفعل، وللأسف لن نعترف أبدا (كالعادة) بأن الخطأ هو غلطتنا (نحن) لأننا سكتنا علي quot; أسامة بن لادن quot; وأمثاله، بل ولا زلنا نرشح وننتخب في دول ما يعرف بالربيع العربي جماعات العنف والقتل لتعتلي سدة الحكم، ولم نفطن للحظة أن الذئاب الخاطفة حتي لو تمسحت في رداء الدين فإنها لا يمكن أن تتحول إلي حملان أبدا، فمن قتل quot; فرج فودة quot; هو نفسه من قتل quot; شكري بلعيد quot; ومن شجع علي قتل quot; نجيب محفوظ quot; هو هو من أفتي بقتل quot; شباب الثوار في مصر quot; والعلامة quot; البوطي quot; في سوريا.
ثالثا : خطورة ما فعله quot;هولمز quot; - أو قل محاميه - هو أن محاولة إقناع كل مجرم وقاتل في أمريكا بالدخول في الإسلام وبذلك يحق له أن يبرر أمام الجهات القضائية أنه ارتكب جريمته بسبب الأفكار الإسلامية. ومن هنا فإن المطلوب وعلي وجه السرعة (أكثر من مجرد رد رسمى) من جهة إسلامية مسئولة، لأن أى شيء يمس الإسلام سلبيا في (الغرب الكافر !) اليوم، يؤخذ على محمل الجد، حيث أصبح الدين الإسلامي في عيون الكثيرين، وربما في عيون بعض المسلمين أنفسهم، مرتبطا بالقتل الغير مبرر.
رابعا : الرسالة الأهم التي أراد هذا الخبر تثبيتها أبعد وأعمق أثرا، لأنها تتعلق بالصورة الذهنية عن المسلم المعاصر، فالثابت أن quot; هولمز quot; أرتكب هذه الجريمة قبل اعتناقه الإسلام في السجن، وما هذه الحيلة أو التحايل القانوني ndash; الديني إلا محاولة لإلصاق quot; التهمة quot; بالإسلام (بأثر رجعي)، أي تبرير الإجرام بالدين وكأن المسلم هو الشخص الوحيد الذي يجب أن يكون (المجرم) بألف ولام التعريف في هذا العصر، وأن علي العالم أن ينظر للدين الإسلامي من منظور الجريمة وسفك الدماء، أو أنه الدين الذي يجذب اليه المجرمين والقتلى والمرضى النفسيين!