سقط مربع الأسير وتبقى مربعات أخرى منيعة
لبنان: المطلوب فرض الهيبة... حتى النهاية!
أكثر من عصفور وقع بحجر كمين الجيش اللبناني، الذي فجر الوضع وأطاح بالشيخ أحمد الأسير. حجر مكين، توصل كل خيوطه إلى مستفيد وحيد... حزب الله.
لم يكن ما جرى أمس واليوم في صيدا من المقررات الأصلية للحرب الأهلية اللبنانية القادمة، لكنه أتى ملحقًا ثانويًا، إذ ما خيّل لأحد أن يبادر مسلحو الشيخ أحمد الأسير إلى مداعبة الجيش اللبناني بالرصاص الحي. فالمقرر كان أن تتم المداعبة هذه بين الأسير وأترابه في سرايا مقاومة حزب الله.
لكن ما الذي عدا ما بدا ليدخل الأسير في ملحمة مع المؤسسة العسكرية اللبنانية، في هذا الوقت بالذات؟
إلغاء بالوكالة
لربما كان عند حزب الله الخبر اليقين. فهذا هو السبيل الوحيد إلى إعلان حرب إلغاء ضد ظاهرة الأسير، من دون أن يتهم أكثر فأكثر بافتعال فتنة سنية ndash; شيعية، وهذه هي الطريقة الوحيدة لتخيير سنة لبنان بين لحية الأسير الحسيني السلفي وخوذة الجندي اللبناني، متأكدًا من أن أحدًا بين السنة اللبنانيين لن يجرؤ على اتخاذ جانب الأسير بوجه quot;رمز الوطنquot;.
وهي أيضًا الطريقة الوحيدة لإعادة السنة إلى أحضان بيت الحريري، أي إعادتهم إلى صراط الاعتدال المستقيم. فحزب الله أدرك أن الشيخ سعد الحريري ليس عدوًا ليعاديه، بل هو رفيق طريق في تسويات سياسية لم يكن ليتوصل إليها مع الأسير وأمثاله، السائرين على سكة السلفية الجهادية، خصوصًا أن بعضًا كبيرًا من السنة مشى خلف الأسير، بالقلب وبالفعل، لأن غياب الحريري ترك فراغًا كبيرًا على الساحة السياسية اللبناني، ملأه الأسير بخطب نارية، وحركات جذابة، ورحلات إلى فاريا... وإلى القصير!
كما أن ظاهرة الأسير، خلافًا لاعتقاد كثيرين، لا تبرر تمسك حزب الله بسلاحه في الداخل اللبناني، بل هو ما يؤلب الرأي العام اللبناني والعربي على سلاحه، إذ يقاس كل سلاح جديد بسلاح المقاومة القديم.
حجر واحد
كان كمين الجيش ظهر الأحد حجرًا أصاب كل هذه العصافير، والرابح الوحيد منه حزب الله. فما المانع إذًا من اتهام حزب الله من استغلال الجيش اللبناني للخلاص من ظاهرة كانت شوكة في خاصرته السنية الرخوة؟ وما المانع من أن يكون هذا الاتهام صحيحًا؟ لكن هذا ليس السؤال هنا، بل السؤال: إلى أين بعد الأسير؟
تمكن حزب الله أولًا من تعزيز سيادته على الجنوب، أو هو استعادها تامة، فاتحًا طريق الجنوب أمام حركته، بين بوابة فاطمة والقصير. كما استطاع أن يثبت لمعارضيه أنه متمكن من مفاصل السياسة اللبنانية، وليس كما يتهمونه بأنه يسعى للسيطرة على هذه المفاصل.
أما الدولة اللبنانية فهي الطرف الذي يقف حائرًا الآن، أترفع نخب انتصارها على عصابة تحصنت في جامع خلف شعارات إسلامية فضفاضة؟ أم تقرأ عبرة مما حصل في عبرا؟ فالعبور إلى الدولة لا يمر أبدًا بالقبول بسلاح غير سلاحها، أيًا تكن تسميته، وأيًا يكن شعاره. وبناء دولة المؤسسات ذات الهيبة لا تتخذ جانب الحيطة والحذر حين تضطر للمرور في الضاحية الجنوبية، أو في اللبوة.
فها قد كشرت الجمهورية عن أنيابها وقصمت ظهر الأسير، وما عليها إلا أن تسير في الأمر حتى النهاية. فهل إذا ما جرؤ الجيش على الثأر، ولو متأخرًا، للطيار سامر حنا، هل يطلق شيخ حزب الله حينها نداءه للشيعة بالانشقاق عن الجيش اللبناني؟