يبدو أن الموقف الدوليquot;المتميعquot;وquot;الانتهازيquot; من الاوضاع في سوريا يتجه لشئ من المنطقية و العقلانية بعد الضربة الکيمياوية القاسية للمواطنين السوريين العزل في ريف دمشق و التي ترجح أغلب التکهنات و التوقعات بأنها تحمل بصمات النظام السوري، وان التصريحات الصادرة من عواصم القرار الدولي تسير معظمها في إتجاه ليس إدانة النظام السوري وانما الاقدام على إجراء دولي محدد أيضا ضده.

رد الفعل الحازم للنظام الايراني من خلال مسعود جزايري نائب رئيس ارکان القوات المسلحة الايرانية، والذي حذر الولايات المتحدة من ماأسماه بتجاوزquot;الخط الاحمرquot; بشأن سوريا، وان ذلك ماسيترتب عليهquot;عواقب وخيمةquot;، تأکيد لجدية الموقف الدولي ضد النظام السوري وانه لم يعد يضرب اخماسا بأسداس او يتريث لفينة او فترة أخرى، لکن المثير و الملفت للنظر في تصريح جزايري قوله:quot; أميركا تعلم حد الخط الأحمر للجبهة السورية، وأي تجاوز للخط الأحمر السوري سيكون له عواقب وخيمة على البيت الأبيض.quot;، إذ أن لمصطلح quot;الجبهة السوريةquot;، أکثر من معنى و دلالة خصوصا عندما يعتبر نائب رئيس الارکان للقوات المسلحة الايرانية أي تدخل دولي محتمل بمثابة تجاوز للخط الاحمر الذي وضعه النظام الايراني، وان هذا التصريح الاخرق بحد ذاته إستهانة و إستخفاف بالمجتمع الدولي و القيم و المبادئ الانسانية حيال جريمة مرتکبة ضد الانسانية و کل الاصابع تشير الى النظام السوري دون غيره.
النظام الايراني الذي سبق وان إتهم على لسان وزير خارجيته محمد جواد ظريف المعارضة السورية بإرتکاب تلك الجريمة، عاد روحاني ليضفي عليها شيئا من الضبابية و الغموض عندما أدان الجريمة من دون أن يحدد مرتکبها، لکن جزايري تجاوز کلا الموقفين بجعل نظامه طرفا في اللعبة و معنيا بالامر عندما تيقن من أنquot;بضاعةquot; التصريحات الجاهزة من طهران لم تجد نفعا و لم تلق أي صدى او تفهما دوليا وان الرياح تجري بماquot;لاتشتهي السفن الايرانيةquot;، ولذلك فقد جاء هذا الموقف المتسم بالحزم و الذي يدل على قلق و توجس بالغين في اوساط النظام الايراني من ردة الفعل الدولية على تلك الجريمة ضد الانسانية.
إتفاق النظام السوري مع الامم المتحدة على السماح لفريق المنظمة الدولية المتواجد في سوريا بالتحقيق في تلك الجريمة، يؤکد بأن النظام الايراني و حليفه في دمشق قد أعدا ثمة سيناريو محدد لفبرکة الامر و فذلکته بإتجاه جعله مموها و غامضا او بأي إتجاه آخر يسمح بإبعاد الشبهات عن نظام الاسد، ولاسيما وان للنظامين باع و قدرة فائقة بهذا الخصوص، لکن السؤال الذي يطرح نفسه هنا بقوة هو: أين الاقمار الصناعية الغربية التي کانت تراقب المواجهات الدامية عن کثب؟ وأين الاجهزة الاستخبارية الغربية و الاقليمية التي تتواجد کل منها بصورة او بأخرى في هکذا أوضاع فضفاضة؟ ان اسلوب و طريقة التصريحات الغربية التي جاءت عقب هذه الجريمة الشنيعة، کانت بشکل و سياق يؤکد بأن في جعبة المصرحين أکثر من مبرر و مسوغ لموقفهم الجديد المختلف عن مواقفهم السابقة تماما، وان الاجواء الحالية تکاد أن تکون کما کانت قبل شن الحرب على العراق عام 2003، وان التفاهم و التنسيق و الاعدادات التي تجري حاليا بإمکانها أن توصل أکثر من رسالة لدمشق و طهران على حد سواء ولاسيما مع زيارة السلطان قابوس لها في مهمة يمکن أن تعتبر ذات صلة قوية بمجريات الاوضاع على الجبهة السورية.
أهمية الجبهة السورية التي تعتبرها طهران خطا أحمرا بالنسبة لها، يأتي في وقت يشعرفيه النظام الايراني بأن المحصلة العامة للأمور و الاوضاع لم تعد في صالحه وان الاخطار و التهديدات المحدقة به باتت أکثر من السابق وهي بالغة الجدية، والذي يقض مضجع النظام أکثر بأن هناك معارضة إيرانية نشطة و متحمسة و فعالة متمثلة في المجلس الوطني للمقاومة الايرانية التي کان لزعيمتها البارزة السيدة مريم رجوي موقف ملفت للنظر من قضية القصف الکيمياوي لريف دمشق إذ انها و مع إدانتها لتلك الجريمة دعت في نفس الوقت المجتمع الدولي الى العمل الفوري وقد أشارت في تصريحها الخاص بهذا الصدد الى دور النظام الايراني و کونه سببا لوجستيا حيويا في قيام هذه الجريمة عندما قالت:quot; انها الفاشية الدينية الحاكمة في ايران التي هي بزجها قطعان الحرس ومختلف أنواع الأسلحة وانفاق عشرات المليارات من الدولارات من ثروات الشعب الايراني المحروم، قد أبقت النظام الاجرامي في سوريا على الحكم.quot;، وان النظام الايراني يتخوف کثيرا من هذه المعارضة التي يمکن وصفها بالبديل الجاهز من کافة الجوانب، لکن الاهم من کل مافات، أن أي مواجهة محتملة في سوريا ستقود بالضرورة و کحاصل تحصيل الى مواجهة مع النظام الايراني، ولهذا فإن خيار جلوس المجتمع الدولي و تفاهمه مع المقاومة الايرانية سيکون أمرا أکثر من وارد.
ضربة توجه لدمشق على خلفية إرتکابها لجريمة ضد الانسانية، لکن الذي يلفت النظر بأن الذعر و الهلع اللذين يمکن ملاحظتهما في طهران هو أکبر بکثير من ذلك الذي في دمشق، حيث أن النظام في دمشق قد بات في خضم العاصفة التي ستقتلعه في أي وقت، أما النظام الايراني فإنه لم يشهد بعد العاصفة و هي تضرب نظامه، ولذلك فإنه يتطير منها رغم انها في الاول و الاخر قادمة لامحال من ذلك!