قبل أكثر من عام قامت أميركا ودول الإتحاد الأوروبي بإدراج quot;جبهة النصرةquot; و quot;داعشquot; وأخواتهما على لائحة الإرهاب، الأمر الذي أثار سخطاً وغضباً كبيرين في أوساط المعارضة السورية، وعلى رأسها quot;الإئتلافquot; وquot;المجلس الوطنيquot; السورييّن.
في ردّه quot;الغاضبquot; على موقف الأميركيين والأوروبيين، الذي وُصف في أدبيات المعارضة، بأنه موقف quot;لا يصبّ في مصلحة الثورةquot;، قال رئيس quot;المجلس الوطنيquot; جورج صبرا، آنذاك، quot;ان وصف الغرب للجبهة (النُصرة) بأنها إرهابية يدعم مزاعم الرئيس السوري بشار الأسد بأن الحرب الأهلية ليست انتفاضة طبيعية وإنما غزواً من قبل القوى الأجنبيةquot;. ذات الموقف أكدّ عليه رئيس quot;الإئتلافquot; السابق، الشيخ معاذ الخطيب، في حينه، رافضاً وصف quot;النصرةquot; بالإرهاب، فquot;لا يعيب أحداً أن يكون دافعه لتحرير بلاده هو الدين، وكون الحراك العسكري إسلامي اللون بمعظمه هو شيء إيجابي فالشهادة في سبيل الله طالما كانت هي المحرك الرئيس لحرية الإنسانquot;، على حدّ اعتقاده.
ساد هذا الإعتقاد، بإعتبار quot;النُصرةquot; وquot;داعشquot; وquot;حركة أحرار الشامquot; وسواها من المجموعات الإسلامية المسلحة المتشددة، من quot;الثورةquot; السورية وفيها إلى أن انفرط عقد quot;الجيش السوري الحرّquot;، وتبيّن للعالم أنّ الحركات الجهادية والتنظيمات التكفيرية التابعة لquot;القاعدةquot; تشكّل القوة العظمى في صفوف مسلحي المعارضة. فبحسب أكثر من دراسة، يشكّل الجهاديون والإسلاميون المتشددون القوة الأساسية الفاعلة على الأرض داخل قوات المعارضة السورية. في دراسة (نُشرت في سبتمبر الماضي) كان قد أجراها المعهد البريطاني للدفاع (آي. إتش. إس. جينز) أظهرت ان عدد المسلحين الذين يقاتلون في صفوف أهل quot;الثورةquot; السورية quot;يقدر بحوالي مئة الف مقاتل لكنهم يتوزعون على حوالى ألف مجموعة مسلحة مختلفةquot;. ووفقاً لتقديرات الدراسة ذاتها فquot;إن حوالى عشرة آلاف من هؤلاء هم جهاديون يقاتلون تحت الوية جماعات مرتبطة بالقاعدة، في حين ان 30 الفاً الى 35 الفاً آخرين هم اسلاميون يقاتلون في اطار مجموعات مسلحة متشددةquot;.
قبل أقل من أسبوعين، طرأ تحوّل مفاجئ في موقف المعارضة السورية من بعض الفصائل الإسلامية المسلحة وعلى رأسها quot;الدولة الإسلامية في العراق والشامquot; (داعش)، بإعلانها لهذه الأخيرة quot;تنظيماً عميلاً للنظام ومعادياً للثورةquot;، ما أدى إلى حصول مواجهات مسلحة بين quot;الجبهة الإسلاميةquot; الداعية إلى quot;إقامة الدولة الأموية في الشامquot;، كما جاء في آخر تصريحٍ لقائدها الشيخ زهران علّوش وquot;داعشquot; التي تجاهد من أجل إقامة quot;دولة الخلافة الإسلاميةquot; وخسارة هذه الأخيرة، بالتالي، لبعض مواقعها الإستراتيجية في حلب وإدلب وريفيهما.
فهل لهذا التغيّر المفاجئ في موقف المعارضة المسلحة علاقة بquot;جنيف2quot; الذي أصبح عنوانه الأبرز quot;محاربة الإرهابquot;؟
الأرجح نعم. إعلان غالبية مجموعات المعارضة المسلحة وعلى رأسها quot;الجبهة الإسلاميةquot; وإدراجها لإسم quot;داعشquot; في لائحة quot;الإرهابquot; ومطالبتها بquot;الخروج الفوريquot; من سوريا، ما هو إلا محاولة لسحب ورقة quot;محاربة الإرهابquot; من يد النظام والمحور الذي يدعمه. الأمر الذي سيساهم في quot;تحسينquot; صورة المعارضة وتقوية موقفها في حسابات quot;جنيف2quot;.
أما المفارقة الكبرى في موقف المعارضة السورية فتكمن في ازدواجيته الفظيعة، تجاه التعاطي مع quot;داعشquot; وإرهابها.
في حلب وأدلب والرقة وديرالزور، وسواها من quot;المناطق المحررّةquot; التي تريد لها quot;الثورةquot; أن تكون quot;سورية عربية سنيّةquot;، في مواجهة quot;الشيعة الرافضيةquot; وquot;العدو الفارسيquot;، كما يقول لسان حالُها، تعلن المعارضة تنظيم quot;داعشquot; تنظيماً quot;إرهابياً معادياً للثورةquot; وتؤكد على أنّ هناك quot;علاقة عضوية بين التنظيم والنظام السوري وأن سيل دماء السوريين على يد هذا التنظيم رفع الشك في شكل نهائي عن طبيعته وأسباب نشوئه والأهداف التي يسعى الى تحقيقها والأجندات التي يخدمها ما يؤكد طبيعة أعماله الإرهابية المعادية للثورة السوريةquot;. أما في تل كوجر وقامشلو وسري كانييه وكوباني وعفرين، وغيرها من المناطق التي يريد لها أكرادها أن تكون quot;سوريا كرديةquot;، فيكاد موقف المعارضة بكلّ فصائلها المعتدلة والمتشددة يتماهى مع موقف quot;داعشquot;، بإعتبار تنظيمها جزءاً من تنظيم الثورة، وquot;دولتهاquot; دولةً أو جهةً للثورة، كما تبيّن من المعارك الأخيرة التي جرت في شمال شرقي البلاد في تل حميس بريف القامشلي، بين فصائل quot;الثورةquot; المسلحة تحت قيادة quot;داعشquot; من جهة و quot;قوات حماية الشعبquot; (YPG) من جهة أخرى.
في حلب وما حولها، تعتبر quot;داعشquot; من وجهة نظر المعارضة وتنظيمات وجيوش quot;الثورةquot;، على سنة الإسلام، quot;عدوّة الثورةquot; وquot;صنيعة النظام وعميلتهquot;!
أما في قامشلو وما حولها، فتعتبر quot;داعشquot; ذاتها، ومن وجهة نظر أهل quot;الثورةquot; ذواتهم، وعلى سنة الإسلام ذاته، عدوةً للنظام، وجزءاً لا يتجزء من الثورة، لا بل قائدتها!
هناك في quot;سوريا السنيّةquot;، تصنع quot;داعشquot; الإرهاب والقتل، فيما هنا في quot;سوريا الكرديةquot;، فهي تصنع الثورة والحياة.
هناك تريد المعارضة طرد quot;داعشquot; من سوريا، أما هنا فتريد quot;فتحquot; سوريا بها فتحاً مبيناً.
هناك، quot;داعشquot; مع النظام ضد quot;الثورةquot;، أما هنا فهي مع quot;الثورةquot; ضد النظام!
هناك، تغلق quot;داعشquot; quot;الثورةquot; وتقتلها بإرهابها، أما هنا فهي quot;تفتح الثورةquot;، وتحييها وهي رميمٌ!
هناك، quot;داعشquot; حرامٌ شرعاً، في الدين، كما في السياسة، أما هنا، في هي حلالٌ زلال!
فهل نحن في سوريا، طبقاً لهذا quot;الفقه الثوريquot;، أمام quot;ثورةٍquot; واحدة، ونظامٍ واحد وquot;داعشquot;ين، أم أنّ وراء أكمة المعارضة السورية ما وراءها؟
التعليقات