الخارطة الشيعية (الهلالية) التي اثارت الملك عبد الله الثاني ـ وكانت البداية بتصريح صارخ للملك ــ وغيره من الزعماء والانظمة والشعوب والقوى السنية العربية والاسلامية من خطر شيعي اقليمي ، بل وربما عالمي يهدد المنطقة العربية أو مساحة كبيرة وحيوية منه بهيمنة شيعية بقيادة الجمهورية الاسلامية الايرانية ... هذه الخارطة (الهلالية) لا تخلو من نقاط ضعف مثيرة تحول دون اعطائها هذه الخطورة كما تصورها السُنَّة أو بعضهم، فهي خارطة مزروعة هنا وهناك من جسدها بكثافات سكانية سُنيَّة، فلا يمكن اغفال الاكثرية السنية في سوريا، ولا يمكن تجاهل سُنَّة العراق وثقلهم السياسي والعسكري التاريخي، وكيف ينسى أو يتناسى (متوهِّمو) هذا الخوف او الرعب سُّنة لبنان العريقون، وسُنّة ايران ليسوا اقلية، وايران محاطة بتركيا وافغانستان وباكستان وهي دول ليست بسيطة، اقلا باكستان حيث تمثل القنبلة النووية السنية، والسُنة هم اكثرية في العالم الاسلامي، وفيما كان هناك شيعة في بعض المناطق السعودية فهم أقلية ولا يمثلون خطرا مثيرا أولا، ومحاصرون ثانيا، وفيهم من يرغب بالتكامل مع الدولة ثالثا، واسرائيل على تخوم حزب الله من ناحية، وعن شبه التحالف بين الشيعة وحماس لا يدوم بفعل الاختلاف المذهبي، وعليه، يرى بعض المحللين ان المخاوف التي اطلقت مما سُمِّي في حينه (الهلال الشيعي) مبالغ فيها، ويضيف هؤلاء المحللون ان التجربة اثبتت ذلك، فها هو الحكم (العلوي) الذي كان يعدُّ من اهم الاعمدة في هذا الهلال يتعرض للاهتزاز الخطير، الذي لا يهدد حكومة بشار الاسد وحسب، بل يهدد العلويين كطائفة، واليوم سوريا برمّتها دخلت عصر الكهوف، ولم يعد النظام العلوي او الحكومة العلوية قادرة على حماية نفسها من السقوط المدوي لولا تدخل حزب الله اللبناني، والدعم الروسي / الايراني، واثبتت ايران انها غير قادرة على مواجهة الحصار الذي فرضته عليها الدول الكبرى بقيادة الولايات المتحدة الامريكية، وها هم المفتشون الدوليون في عقر طهران الحصين، وما يعرف بالحكومة الشيعية في العراق ـ رغم ملابسات المصطلح ـ لم تستطع حماية الشيعة من تفجيرات يومية، ثم العراق بالذات لم يعد دولة بالمعنى المعاصر للدولة، تمرد في المنطقة الغربية التي هي ثلث مساحات العراق، وتخبط في الموصل، وشمال ديالى الامر مرتبك، والتفجيرات اليومية تطال اهم مناطق بغداد الشيعية، وحزب الله اللبناني يتعرض لاستنزاف حاد في قواته، واستطاع اعداؤه ان يخترقوا حصونه في الضاحية وبعلبك، وهو الان محاصر من جهتين على اقل تقدير، سنة لبنان بشكل شبه كامل وبعض مسيحيه ودروزه، وبالتالي، ثم هناك نقطة حساسة اخرى يجهلها او يتجاهلها الخائفون من هذا (الهلال)، ان الجسم الشيعي البشري منقسم بشكل ملفت، وشيعة العراق نموذج حي على هذا الانقسام، فقادة وصناع القرار السياسي الشيعي العراقي مختلفون متخبطون بل بينهم ما صنع الحداد، وهناك صراع ساخن بين هذه القيادات، وما زال الخلاف بين منظمة (امل) وحزب (الله) اللبنانيين نارا تحت الرماد، وهما لم يتفقا الاّ بضغط من ايران كما يقول المحللون القريبون من كليهما، وهناك كلام على ان زعيم امل السيد نبيه بري قد لا يكون متجاوبا مع سياسة حزب الله بشكل عام، لان وجهته السياسية اقرب الى الليبرالية، ويميل الى العمل السياسي ،ولا يحبذ العسكرة باسلوب حزب الله، وهو لا يحبذ التصادم مع المملكة العربية السعودية ودول الخليج، ومثل هذه الملاحظات التي تشير إلى الكثير من نقاط الضعف في جسم هذا (الهلال) كثيرة، على ان بعض المحللين يقولون أن اخطر نقطة ضعف في هذا الجسم (الهلالي) الشيعي هي خضوعه بشكل وآخر، بمساحة وأخرى، الى قيادة ولاية الفقيه، حيث يترتب على ذلك احتكار القرار الشيعي الاستراتيجي لصالح جهة محددة، هي طهران، ويستشهدون على حكمهم هذا بما يدعونه من تماه بين قرار الكثير من قوى الاسلام الشيعي من جهة، وبين القرار (الولائي) الايراني من جهة اخرى، وكثير من هؤلاء المحللين يدعون ان تحرك الشيعة في البحرين، وكذلك السعودية إنما هي طبق توجهات وتوجيهات (ولائية)، وهل يجهل هؤلاء المحللون ان اي خلاف بين قيادات الشيعة العراقيين يتبعه زيارات متزامنة أو متفاوتة لهذه القيادات الى طهران؟
هل كان جهلا او تجاهلا هذا التضخيم لما سُمي في وقته (الهلال الشيعي)؟ وهل ما يجري الان في المنطقة إنما من اجل تفتيت هذا الهلال؟