قد يكون غريباً أو صادماً، أن نستخدم تعبير "الزواحف المهاجرة"، بدلاً مما اعتدنا عليه من مصطلح "الطيور المهاجرة". لكن الحقيقة أن استخدام هذا المصطلح المستحدث، يحقق لهذه المقاربة التفرقة بين نوعين من المهاجرين، نوع نظنه ضئيل العدد نسبياً إلى درجة كبيرة، وهو الذي يمكن أن نلقبه بالطيور المهاجرة، هؤلاء الذين حلقوا بأفكارهم وآمالهم وهم بعد ببلادهم الأصلية، في سماوات الإنسانية والحرية، واضطرتهم أحوال الشرق وأشواكه وصخوره إلى الفرار بأنفسهم، سعياً للحياة في مجتمعات لا ينتمون لها عرقياً، لكنهم يشاركونها نفس الطموحات الإنسانية، في الحداثة والحرية والإبداع. يندمج هؤلاء في المجتمعات التي يهاجرون إليها، بما لديهم من استعداد فطري وروح الحضارة والحرية وتوق للحداثة، ليصيروا إضافة حضارية لمجتمعاتهم الجديدة، ولدينا أمثلة شهيرة على ما استطاع بعض هؤلاء تحقيقه من إنجازات مبدعة وخلاقة.
لكن هذه القِلَّة القليلة من نوعية "الطيور المهاجرة" لا تعنينا هنا، كما أن ضآلة عددها النسبي، لا يقلل بل يحبذ ما نذهب إليه في هذه المقاربة، وهو أن التيار العام الذي ينخرط فيه أغلب المهاجرين من الشرق الأوسط، هو ما يصح تسميته "الزواحف المهاجرة". ولن نركز هنا كما قد يتصور البعض للوهلة الأولى، على هؤلاء الإرهابيين، الذين يذهبون للغرب بنية مسبقة لتدمير حضارته، ولا هؤلاء الذين يرسلون بنسائهم لولادة أطفالهن في أمريكا، ليحصل الوليد على الجنسية الأمريكية، ليؤخذ بعد ذلك ليشب في إحدى الدول التي ترعى "المجاهدين في سبيل الله"، ليعود بعد سنوات إلى أمريكا، مجاهداً عظيم الإيمان، ساعياً للحور العين في الجنة، عن طريق قتل أكبر عدد ممكن من الكفار أعداء الله.
أمثال هؤلاء أيضاً قِلَّة، يمكن للغرب بقليل أو كثير من الجهد معالجة أمرهم. وهم المقابل لتلك الفئة التي وصفناها بالطيور المهاجرة. هم الوجه الأشد سواداً للشرق الأوسط، من يصح تسميتهم "الذئاب المهاجرة".
نستهدف هنا بلقب "الزواحف المهاجرة"، الكثرة من المهاجرين، الذين "زحفوا على بطونهم" للغرب، هرباً من شظف العيش أو استحالته، ويحملون في نفس الوقت ذات فيروسات التخلف، التي جعلت من أوطانهم مكاناً لا يصلح لحياة إنسانية بالمعنى الصحيح. يختار الشرقيون الهجرة، بدلاً من محاولة تغيير أحوال بلادهم للأفضل. ومتى وصلوا بلاد المهجر، يحاولون قدر المستطاع الحفاظ على الثقافة والقيم والتقاليد التي هربوا من نتائجها الوبيلة.
ماذا يحمل المصريون مثلاً معهم للغرب من خصوصية، سوى التواكل الملتحف بعباء الدين، وما لابد وأن يأتي في أعطافه، مما نشهده في الساحة المصرية من مهازل ومآس؟!!
فلنأخذ مثلاً واحداً من خصوصية مصرية بارزة. هذا العدد المهول من ضحايا حوادث المواصلات في مصر، الذي يفوق بأضعاف مضاعفة ما خسرته في جميع حروبها الحديثة، ويعد الثمن المستحق الذي يدفعه الشعب المصري، نتيجة سلوكياته وثقافته. ليس المجرم هنا السائقون وحدهم، ولا رئيس الجمهورية، كما سبق ونسب البعض لمبارك حادث "العبارة السلام". المجرم نحن جميعاً، بإهمالنا وتواكلنا وتسيبنا وفساد أخلاقنا. المجرم في مثل هذه الحوادث التي نعيش طول الوقت على العويل والتباكي على ضحاياها، ليس رئيس الجهورية، ولا الإخوان ولا قطر وتركيا، ولا إسرائيل وأمريكا. المجرم 90 مليون فاشل وأونطجي وكسول ومهمل ومتواكل!!
الحرية بالمفهوم المصري غير متوفرة في العالم الغربي، بل يمكن القول أن الغرب أرض العبودية. فأنت لا تستطيع الوقوف بسيارتك في منتصف الطريق، لتتبادل حديثاً حميمياً مع صديق لم تره منذ عدة ساعات. ولا تستطيع السير في عكس الاتجاه، ولا أن تركن سيارك بجانب الرصيف في أي مكان وأي وقت، أو دون دفع الرسوم المقررة لركن السيارة بجانب الرصيف في الأماكن المسموح فيها بهذا. سائقو السيارات بالذات يسيرون في الغرب كما لو كانوا عبيداً لإشارات المرور، وللعلامات والخطوط المرسومة على الأسفلت. لا تستطيع أيضاً أن تحدق النظر في المارة، وأن تنتهك عيونك أجسادهم أو خصوصياتهم أياً كانت. معظم معالم الحياة في الغرب، تعد بالمفهوم المصري عبودية واستبداداً.
لا يمل ظرفاء الشرق من الحديث عن ضرورة تفعيل القانون وتطبيقه بحسم، لكن لا أظن أن أحداً منهم يتطوع من تلقاء نفسه باحترام القانون. دأب هؤلاء الظرفاء على تبرير خطايا وفساد الشعب، بأن الدولة بعدم حسمها هي المسؤولة عن ذلك، وهذا صحيح إلى حد ما. المشكلة أن الدولة عبارة عن مؤسسات يعمل فيها شرقيون، وهم يؤدون واجباتهم وفق ذات بلايا وفساد الشعب المطلوب منهم إجباره على الانضباط. يلتزم المصري المهاجر بقوانين المرور مثلاً، لأن شعباً آخر ومؤسساته تجبره على ذلك جبراً. رحم الله المستعمرين وأيامهم، الذين أفلحوا إلى حد ضئيل في تحريكنا بضعة ملليمترات باتجاه التحضر!!
أشك في أكثر من عنصر، ربما يكونون وراء ما نرزح فيه من ترد، ويشكل خصوصيتنا التي نتشبث بها تشبثنا بالحياة:
- ضعف الشخصية وتدني الطاقة النفسية للإنسان، الناتج عن المعادلة البيولوجية الهرمونية.
- قصور العقل عن التعامل مع الأفكار المجردة.
- بدائية العقلية، التي تسمح باختلاط الخبرات والمعارف، دون توافق وتنسيق وفرز، بحيث تصبح العقليات أشبه بصناديق تخزين المهملات، تجمع المتناقضات وكل ما انتفت أو انتهت الحاجة إليه.
المجتمع الأمريكي مثلاً مجتمع مهاجرين، قائم على التنوع الذي لا تُقمع فيه هويات وخصوصيات المهاجرين الأصلية. لكن دائرة الخصوصية لأي فئة أو طائفة أو جالية، تماثل خصوصية الفرد. جديرة بالاحترام، لكنها لا ينبغي أن تتسع دائرتها، بحث تضم عناصر تعوق الفرد أو الجماعة عن الاندماج والتواصل الحر الإيجابي مع الآخرين. ثم أن المهاجرين من مناطق التخلف بالعالم، تحوي هوياتهم وخصوصياتهم العناصر المسببة والمنتجة للتخلف، التي ترتب عليها فشل هذه الشعوب حضارياً، وأن يهاجر الأفراد إلى الغرب، للتمتع بثمار الحضارة الغربية، مصرين في نفس الوقت على الاحتفاظ بتلك الخصوصيات الجرثومية أو الفيروسية، فإن هذا يشكل مع تزايد أعداد المهاجرين، تهديداً خطيراً للحضارة الغربية، أقصد للحضارة الإنسانية.
حتى المهاجرين الأقباط إلى الغرب، هم حقاً لا يكنون كغيرهم من مهاجري الشرق الأوسط عداء للشعوب والمجتمعات التي لجأوا إليها طلباً لحياة إنسانية كريمة. لكنهم ينظرون إليها كمجتمعات منحلة أخلاقياً وضالة دينياً، ويجاهدون قدر ما يستطيعون، للاحتفاظ بذات الرؤى والقيم والعادات والتقاليد الأصلية المصرية، تلك التي أثمرت كل ما عانوه من فشل وبؤس. هم مصرون أن يؤكدوا مقولة نزار قباني: "قد لبسنا قشرة الحضارة والروح جاهلية". مع هذا فإن روح الحضارة تتسرب إليهم وإلى أبنائهم رغماً عن أنوفهم، وإن كان هذا يتم بعسر وصعوبة بالغة. فالخامات رديئة، وربما الأمل في الأجيال القادمة، وخاصة تلك التي تأتي عن طريق التهجين، بجينات جديدة غير تلك البائسة.
عزيزي من فصيلة "الزواحف المهاجرة": المشكلة ليست في حقك في المحافظة على خصوصيتك وثقافتك، المشكلة في أنك متخلف، وخصوصيتك هذه نكبة عليك، وعلى المجتمعات المتحضرة التي هاجرت إليها. عدم قابلية واستعصاء "الزواحف الشرقية المهاجرة" على الاندماج في المجتمعات الغربية، طاعون يهدد ليس فقط المجتمعات الغربية التي تستقبل المهاجرين بكثافة، لكنها تهدد الحضارة الإنسانية كلها، مادامت البشرية كلها الآن تعتمد في حياتها، على التعيش بمنتجات العالم الغربي الحضارية والمعرفية. حين كانت أمريكا تستجلب العبيد من أفريقيا، كانت تضعهم أولاً في مناطق حجر صحي، لكي تتأكد من خلوهم من الأمراض المعدية. لكنها الآن لا تتوفر لديها آلية "حجر صحي ثقافي"، تضع فيه مهاجري الشرق الأوسط، ريثما يتم شفاؤهم من طاعون "خصوصياتهم" و"ثقافاتهم الوبيلة"!!
[email protected]
&