ثورات الربيع العربي ليست حدثا بسيطا ليمر عليه المراقب السياسي مرور الكرام، فكل ما نشهده من توتر في العديد من الدول له علاقة مباشرة بالربيع العربي، واذا تجاهل الكثيرون هذه الحقيقة فليس لأنهم لا يؤمنون بها وانما لايريدون اشعال نار الثورات من جديد وتحريك الشعوب لتنتفض من جديد ضد ما يحدث.
&
هناك رؤوس للاخوان قطعت وتدحرجت على الارض بعدما اينعت، ورؤوس أخرى قطعت وتدحرجت قبل أن تينع، ورؤوس لا تزال قائمة والمساعي قائمة على قدم وساق من أجل قطعها.
قبل أن آتي على رأس رأس، أود الاشارة الى أن الغرب وبالتحديد الولايات المتحدة الأميركية روجت لنظرية بعد تفجيرات 11 سبتمبر مفادها ان احد أسباب وقوع تفجيرات سبتمر هو غياب الديمقراطية في العديد من دول الشرق الأوسط، لذلك تبنت مشروع دمقرطة المنطقة غير أن بوش الابن أعلن في الشهور الأخيرة قبل رحيله عن وقف هذا المشروع.
&
لم تتخذ الادارة الأميركية موقفا عدائيا ولم تعلن اعتراضها على صعود التيار الاخواني بعد ثورات الربيع العربي وتوليه السلطة في بعض البلدان، اما لأن مصلحتها لا تقتضي الاصطدام مع ارادة الشعوب الثائرة فلم تعترض، واما لأن الحراك الذي حدث في بعض البلدان كليبيا وسوريا والذي يهدف الى الاطاحة بحكومتي البلدين ينسجم جملة وتفصيلا مع المصلحة الأميركية، واما ان الادارة الأميركية تترقب مالذي سيقدمه هذا الوليد الجديد عندها تتخذ الموقف الصريح منه.
&
ولكن عندما بدأ هذا التيار بالتوسع والزحف على مناطق ترتبط مباشرة بالمصالح الأميركية عندها قرع ناقوس الخطر، لذلك لم تتخذ اجراءات رادعة ضد عمليات وأد المولود الجديد، فلم تتحول المواقف الأميركية الرافضة لحركة السيسي في مصر الى واقع عملي، بل أن كل الدلائل تشير الى عودة العلاقات الأميركية المصرية الى سابق عهدها، كما لا يبدو أن واشنطن منزعجة من تراجع حركة النهضة في تونس، كذلك الحال في ليبيا، فلا يبدو ان الادارة الأميركية تعترض على عملية ابعاد الاسلاميين عن السلطة في ليبيا.
&
المعطيات لا تشير الى أن مسلسل قطع رؤوس الاخوان توقف عند مصر وتونس وليبيا واليمن، ودول ما كاد يظهر فيها رأس الاخوان، بل انها تشير الى ان قطع الرؤوس حزمة كاملة وسلة واحدة ابتدأت أولا بالساخنة لتأتي بعدها الأقل سخونة، من هنا لا يمكن ان نفصل ما تتعرض له تركيا وقطر باعتبارهما الداعمتان الرئيسيتان لتيار الاخوان من اتهامات بدعم الجماعات المسلحة والارهاب عن العملية برمتها سوى ان المطلوب في قطر وتركيا ليس قطع رأسيهما في الوقت الحالي وانما الضغط عليهما لتحييدهما ووقف دعمهما لتيار الاخوان.
&
ما أخشاه ان تكون قضية تفجيرات غزة واستهداف قيادات فتح، بداية لقطع رأس آخر للاخوان، وهو رأس حماس خاصة وهناك أكثر من طرف يطالب بقطعه، فهناك من يعتقد ان ثورات الربيع العربي ستبقى مشتعلة ولا يمكن اطفاءها ما لم يتم القضاء على الملهمين لها ومن المؤكد ان حماس أحد الملهمين الرئيسيين للحراك في الكثير من الدول.
&
ولكن بغض النظر عما ستؤول اليه المصالحة الوطنية الفلسطينية وما اذا كان تبادل الاتهامات بين رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس وحماس سيتطور الى مديات أوسع وأكبر ام ينتهي عند هذا المستوى لتعود المصالحة الوطنية لتستأنف مسيرتها وحركتها، فان حماس لن تقدم رأسها على طبق من ذهب لمن يريد قطعه، كما انه وقعت محاولات سابقة في القضاء على حماس فباءت بالفشل نتيجة قوتها، أضف الى ذلك فأن سياسة قطع الرؤوس لن تؤدي الى استقرار أي بلد، فهذه مصر لم تهدأ على الرغم من القضاء على سلطة الاخوان بشكل كامل في هذا البلد فلا يكاد يمر يوم الا ونسمع فيه عن تفجيرات واعمال عنف واحتجاجات، من هنا ينبغي التوصل الى صيغة حل يشترك فيها الجميع، وهو الحل الوسط بين عدم العودة الى الماضي والاستفراد بالسلطة الذي ادى الى الانفجار، وبين الانقلاب على كل شيء.