أقولها صريحة منعا لأي التباس عند أي شخص أنّه ليس من حق أحد أن يمنع أو يدين مقاومة أي شعب للمحتل أرضه ومشرّد شعبه، فكل الأعراف والقوانين والمبادىء توافق وتدعم مقاومة المحتل أيا كانت هويته ومبرراته، بدليل أنّ غالبية العرب والعالم أدانوا احتلال نظام صدام حسين لدولة الكويت، لأنّ الاحتلال احتلال، لا يوجد احتلال نقاومه واحتلال نصفق له. إذن لماذا طرح هذا الموضوع؟ إنّه مناقشة لأنواع المقاومة خاصة ما ليس له علاقة بالمقاومة، بل هو:

الجهاد المزعوم بصواريخ استعراضية فقط،
حيث أعلن الناطق باسم حركة (الجهاد الإسلامي) في قطاع غزة، يوم الأربعاء الثاني عشر من مارس الحالي، أنّ حركته أطلقت قرابة تسعين صاروخا على دولة إسرائيل ردا على اغتيال ثلاثة من عناصر حركته، وأنّ إسرائيل بذلك تنصلت من موافقتها السابقة على وقف الاغتيالات، وردا على هذه الصواريخ التسعين التي لم تقتل إسرائيليا واحدا، قام جيش الاحتلال بقصف مدمر للقطاع أوقع العديد من الإصابات وتدمير العديد من المباني، ورغم هذا التصعيد الإسرائيلي وما رافقه من تدمير، يصرّح نفس الناطق الجهادي بأنّ حركته quot;الجهاد لم يكن معنيا بالتصعيدquot;. إذن ماذا كان الهدف من اطلاق الصواريخ التسعين طالما هي مجرد استعراض ديكوري لم تقتل إسرائيليا واحدا ردا على الاغتيالات الإسرائيلية المتواصلة بدون توقف، وعدم اهتمام حركة الجهاد بالتصعيد الإسرائيلي الذي يصيب غالبية الشعب الفلسطيني وليس أعضاء الحركة فقط؟ وفي العلن صرّح الناطق باسم حماس عن إدانة حركته للتصعيد الإسرائيلي معتبرا بأنّ المقاومة حق مشروع للشعب الفلسطيني، وفي الوقت نفسه تقوم حركته الحمساوية في القطاع باعتقال كل من يطلق رصاصة على الاحتلال سواء قتلت إسرائيليا أم لم تقتل، ونفس الحمساويين لم يطلقوا رصاصة على الاحتلال منذ اجتياح القطاع في نوفمبر عام 2008 الذي أسفر عن مقتل قرابة 1450 فلسطينيا غير التدمير الكبير لبنية تحتية أصلا هي مدمرة ومخرّبة. ثم حصل اتفاق التهدئة تماما كما حصل الأيام القليلة الماضية بعد التسعين صاروخا كرتونيا حيث تدخل الجانب المصري كالعادة، فوافق الطرفان الجهادي والإسرائيلي على اتفاق جديد للتهدئة..وهكذا نفس المسلسل..صواريخ بدائية لا تقتل ولا تدمّر..و قصف إسرائيلي يقتل ويدمر، ثم اتفاق تهدئة لا يستمر طويلا احترامه، تماما مثل اتفاقيات المصالحة الفلسطينية بين حماس وعباس حيث يتنصل كل طرف من توقيعه فورمغادرتهما عاصمة التوقيع، بحيث أصبح من الصعب احصاء اتفاقيات المصالحة بين الفلسطينيين والتهدئة مع الاحتلال.

إذن ما الهدف من إطلاق الصواريخ الديكورية فقط؟
هل كان يعرف مجاهدو حركة الجهاد نوعية صواريخهم قبل إطلاقها؟ خاصة أنّها ربما المرة الخمسين طوال السنوات السابقة التي أطلقوا فيها هذه الصواريخ التي لم تقتل إسرائيليا أو تدمّر بيتا داخل دولة الاحتلال، مع ملاحظة تهويل الاحتلال في أضرار هذه الصواريخ وتركيزه على هرولة مواطنيه إلى الملاجىء خوفا و رعبا، ليبرّر أمام المجتمع الدولي غاراته على القطاع وتدميره واغتيالاته المستمرة بدون توقف، رغم أنّهم يعرفون من تجارب ما لا يقلّ عن عشر سنوات أنّها صواريخ للإستعراض فقط. إذا كان مجاهدو حركة الجهاد يعرفون نوعية صواريخهم هذه ويستمرون في إطلاقها، فهذا دليل على أنّ الحركة تسعى فقط للإستعراض وتسميع الشعب صوت بياناتهم غير مهتمين بخسائر الشعب جراء رد الفعل الإسرائيلي. وإذا كانوا لا يعرفون نوعية صواريخهم هذه، فيكفي هذا دليل أيضا على أنّ كل همّهم الاستعراض واثبات الوجود عبر عنتريات لم تقتل إسرائيليا. والأكيد أن حركة الجهاد ومعها حركة حماس في العديد من المواقف الشبيهة تعرفان أنّ صواريخهم لا تقتل ولا تدمّر.

توازن الرعب غير توازن القوى
يمكن القول أنّ هذه الصواريخ عند البدء بإطلاقها قبل أكثر من 12 سنة قد أوجدت نسبة من الرعب في صفوف المجتمع الإسرائيلي، لأنّه لم يكن متعودا على هكذا ردود فعل من الجانب الفلسطيني، ولكن بعد مرور سنوات قليلة بدأ هذا المجتمع يدرك أنّها مجرد صواريخ استعراضية لا تقتل ولا تدمّر، وبالتالي ورغم الفارق الكبير بين توازن الرعب و توازن القوى، إلا أنّنا في الجانب الفلسطيني فقدنا حتى توازن الرعب ليصبح لدى الاحتلال في مواجهة الشعب الفلسطيني توازن الرعب بالإضافة إلىى توازن القوى ليس في مواجهة المنظمات الفلسطينية فقط بل في مواجهة كافة الدول العربية وتحديدا الدول الحدودية مع فلسطين المحتلة. ومن الجدير ذكره أنّ الانتفاضة الفلسطينية الثانية التي أخذت اسم quot;انتفاضة الأقصىquot; قد اندلعت عقب زيارة شارون للمسجد الأقصى في التاسع والعشرين من سبتمبر 2000 ، قد استمرت انتفاضة سلمية طوال شهورها الثلاثة الأولى مما أربك الاحتلال وأكسب الانتفاضة تعاطفا دوليا واسعا. دخل بعد الشهور الثلاثة هذه على الخط أكثر من تنظيم فلسطيني مستعملا السلاح غير المتوازن مطلقا مع سلاح جيش الاحتلال الذي بدأ يلحق خسائر فادحة في الشارع الفلسطيني في الأرواح والبنية التحتية، خاصة بعد تراجع التعاطف الدولي الذي أعقب العمليات الإرهابية في نيويورك في الحادي عشر من سبتمبر 2001 ، مما أوجد تذمرا واضحا في الشارع الفلسطيني من هذه العسكرة غير المتوازنة بأية نسبة من النسب مع سلاح الاحتلال، لذلك تجرأ في الشهور الأخيرة من عام 2004 أن يوقع ويصدر أكثر من مائة مثقف و وزير فلسطيني بيانا يطالبون فيه بوقف عسكرة الانتفاضة، ولاحقا وافقت كل المنظمات بما فيها حماس على التهدئة ووقف إطلاق الرصاص والصواريخ الكرتونية. ومن يومها يستمر نفس المسلسل: صواريخ كرتونية على الاحتلال، تدخل مصري، وقف اطلاق النار وتهدئة..وهكذا وكأنّه مسلسل بدون نهاية فحلقاته مستمرة ثمن تكلفتها دماء الشعب الفلسطيني وبنيته التحتية.

وغضب حمساوي ديكوري أيضا من موقف مصر،
فقد أصدر غازي حمد وكيل وزارة خارجية حماس بيانا رفض فيه الاتصال المباشر من السلطات المصرية بحركة الجهاد الإسلامي للإتفاق على ثبيت الهدنة مع الجانب الإسرائيلي، معتبرا أنّ هذا تجاوز مصري لحركة حماس غير مبرر..وهل هناك مبرر أكثر أهمية من وقف القصف والغارات على شعب لا ناقة ولا جمل له من وراء هذه الصواريخ الكرتونية؟. إنّه الحرص فقط على البقاء في الصورة الاستعراضية كي يقال أنّ حماس تمكنت من تثبيت التهدئة..صوارخ كرتونية وتصريحات ومواقف كرتونية ساذجه، والمصيبة على رأس العزّل من الشعب الفلسطيني. وسوف تستمر المعاناة طالما كل هذه الدكاكين لا تسعى إلا لمصالحها التنظيمية ومصالح كوادرها الشخصية باسم القضية والتحرير الوهمي الذي ننتظره منذ عام 1965 دون تحرير متر واحد!!!.
www.drabumatar.com