عدد الإعدامات في أقل من عام من رئاسة روحاني فاق 700 حالة عديد منها إعدامات سياسية. هذا الكم الهائل من الإعدامات في عهد روحاني «المعتدل» يفوق كثيراً حجم الإعدامات في عهد أحمدي نجاد «المتشدّد». والأغرب أن روحاني دخل علناً على خط الدفاع عن الإعدامات ليقول أن هذه الإعدامات هي إما تنفيذ حكم الشرع أو حكم القانون- كذا-.
يعرف العالم أن نظام الملالي له الرقم القياسي في الإعدامات خلال كلّ سنوات حكمهم إذا أخذنا في الحساب عدد السكان في إيران. كما أن هذا النظام هو الأول في عدد الإعدامات السياسية في العالم بعد الحرب العالمية الثانوية. وحقّق النظام هذا التقدّم من خلال إعدام أكثر من ثلاثين ألفاً من السجناء المجاهدين عام 1988 بعد انتهاء الحرب الإيرانية العراقية، وخلال أشهر فقط. وهذا العدد لايشمل عشرات الآلاف من الأعدامات السياسة في النصف الأول من عقد الثمانينات من القرن الماضي، ليصبح جلّ الإعدامات السياسية بيد نظام الملالي أكثر من مائة وعشرين ألف.
كان هناك خلاف بشأن عدد الإعدامات والمجازر التي نفّذت بحق السجناء السياسيين بعد انتهاب الحرب مع العراق. الواضح في هذا الموضوع أن خميني أصدر آنذاك فتوى أعلن فيها أن مجاهدي خلق مرتدّون وملحدون، ويجب إعدام جميع المجاهدين الذي بقوا في السجون الإيرانية متمسكين بموافقهم ضد النظام. تنفيذاً لهذا الفتوى الذي شارك فيه جميع أركان النظام من خامنئي ورفسنجاني وروحاني وخاتمي وغيرهم من زعماء نظام الملالي، بدأت «لجان الموت» حملة رهيبة من الأعدامات السياسية، التي قال بشأنها منتظري الذي كان آنذاك خليفة خميني والرجل الثاني في النظام «إعدام عدة آلاف خلال بضعة أيام». هذه المجازر نفّذت في سرية تامّة، كما أن في العديد من السجون لم يبق أحد من السجناء حياً حتى يروي للعالم ما حلّ بهؤلاء الأبرياء. وبسبب تنفيذ هذه المجازر في سرية تامة كان من الصعب الحصول على أرقام حقيقية لهذه الإعدامات. حركة المقاومة الإيرانية وبناء على آلاف التقارير والأرقام أعلنت بعد أعوام من التحقيق أن عدد الأعدامات عام 1988 كان أكثرمن ثلاثين ألف.
كلّ هذه الحقائق قديمة وجديدة، لكن الجديد الجديد أن أحد الأقربين بخامنئي سابقاً باسم محمد نوري زاد كتب مقالاً في الموقع الإلكتروني الخاص به في 14 من شهر نيسان الماضي أحيى فيه الذكرى العشرين للإبادة البشرية في رواندا وبعد شرح موجز عن المجازر الرهيبة في هذا البلد الإفريقي صرّح بحقيقة تقشعرّ لها الأبدان حيث قال:
«في بلدنا أيضاً يمكن البحث عن مثل هذه المجازر التي لم تعرف بعد أرقامها بسبب الصمت المتعمّد المطبّق والخطوط الحكومية الحمراء ولم تذكر أرقامها في الإحصائيات الرسمية الداخلية والدولية. لأن الحكم في بلادنا حكم أقلية متسلطة على أغلبية أسيرة ومكبّلة... هنا [في إيران] أيضاً وخلال شهرين أو ثلاثة أشهر تم قتل ثلاثة وثلاثين ألفاً من الفتيات والفتيان والرجال والنساء وبعد ذلك نقلت أجسادهم بشاحنات إلي مقبرة «خاوران» وإلى الصحاري الغريبة النائية، وقاموا بدفنهم في مقابر جماعية وضربوا يدهم على يد وقالوا نحن تعاملنا بمعارضينا ما تعامل به علي بالخوارج في النهروان»
مجرّد التمعّن في هذا النقل يكفى لتصديق ما قاله الرجل خاصة إذا نظرنا إلى موقعه السابق في سلّم النظام، لأنه كان من «رجال الثقافة» والفنّ للنظام وأخرج العديد من المسلسلات التلفيزيونية في شرح «الدفاع المقدّس»، أي الحرب الإيرانية العراقية، وأنه كان من أكثر المتحمّسين لفكرة ولاية الفقيه وضد كل من كان معارضاً لخامنئي حتى في داخل تركيبة النظام.
إنه كان مع النظام قلباً وقالباً ومدافعاً لنظرية ولاية الفقيه ومعارضاً لكلّ من لم يكن مع خامنئي. حتى جاءت انتفاضة أبناء الشعب الإيراني عام 2009، حيث قام أبناء الشعب بشعارات ضد ولاية الفقيه وضد خامنئي، وفي المقابل قمع النظام أبناء الشعب وارتكبت مجموعة ولاية الفقيه ممارسات بشعة ضد المتظاهرين في مختلف السجون خاصة في كهريزك مما يندى له الجبين. وهنا شعر محمد نوري زاد بالخيانة وكتب رسائل موجّهة لخامنئي، و بعد ذلك أعتقل على أثره وأودع السجن ومورس بحقه التعذيب لكنه لم يتراجع عن موقفه بالعكس كتب رسائل أخرى من داخل السجن خطاباً لخامنئي واستمرّ في نفس النهج حتى الآن.
والمهم في ما نقل عنه أنه يتكلّم عن عدد محدّد بشأن السجناء السياسيين الذين ارتكتبت بحقهم المجازر، فعند ما يقول بأن ثلاثة وثلاثين ألف شخص أعدموا خلال تلك الفترة القصيرة معناه أنه عارف بالموضوع ويعرف جيداً ما ذا يقول.
ويمكن هنا أن نضيف نقطة أخرى وهو رسالة من شخص هو الآخر من كبار المسؤولين في وزارة المخابرات اسمه رضا ملك. هذا الرجل هو الذي قام بفضح بعض ممارسات عصابات النظام الرسمية في اغتيال المعارضين داخل إيران في نهاية التسعينات، الحملة الإجرامية التي عرف آنذلك ب«سلسلة الاغتيالات»، حيث كان الرجل في أعلى سلّم المراتب في المخابرات وبعد كشفه بعض هذه الممارسات قاموا باعتقاله وسجنه وتعذيبه بأبشع الطرق، وأدين بعد ذلك بأحد عشر عاماً من السجن. وفي السجن لاقى كل صنوف التعذيب وشاهد ما حلّ بالسجناء. واستفاد من فرصة فريدة من نوعه وأرسل رسالة صوريّة مسجّلة على هاتف نقّال خطاباً للأمين العام للأمم المتحدة بانكي مون. هذه الرسالة موجودة علي اليوتيوب. وفي هذه الرسالة شرح بعض جوانب من عمليات القمع والبطش والتعذيب على يد أزلام النظام ضد المعارضين. وبشأن مجازر عام 1988 ضد السجناء السياسيين قال في هذه الرسالة خطابا لبانكي مون ما نصه:
«سيادة الأمين العام! الجرائم في هذا النظام ليست لها حدود حيث قاموا في عام 1988 وخلال بضع ليالي بإعدام ثلاثة وثلاثين ألف وسبعمائة من السجناء الذين قد ادينوا قبل ذلك بأحكام خمس سنوات، اوسنتين اوسنة واحدة. وبعد إعدامهم دفنوهم في مقابر جماعية باستخدام الشاحنات والشفلات، وأودعهم نظام الملالي الدجالين السفّاحين المجرمين هؤلاء الأبرياء العزّل التراب. نعم هذه ثمرة حكم ولاية الفقيه المطلقة: إنه يفتك بكلّ شيئ له طابع إنساني ويجرّه إلى الموت والنار. المال والعرض والحياة كلّها تراها ولاية الفقيه أنها ملك طلق لها...»
هذه الأرقام ذكرها رضا ملك قبل ستة أعوام والآن نرى أن شخصاَ آخر خرج من داخل النظام يكرّرها. ومعنى ذلك أن أيدى زعماء نظام الملالي ملطخة بدماء آلاف مؤلفة من الأبرياء، ولايمكن لأحد منهم الهروب عن هذه المسؤولية بل يجب على جميعهم المثول أمام المحاكم العادلة ليشرحوا للشعب الإيراني وللعالم ما فعلوا بخيرة أبناء الشعب الذين لم يكن لهم هدف سوى إقرار الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان والرفاهية لأبناء الشعب و استتباب السلام والأخوة مع الجيران ومع سائر بلدان وشعوب العالم.
&
*رئيس لجنة القضاء في المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية
التعليقات