لا يمكن للمرء إلا أن يمتلك مشاعر الإعجاب الشديد نحو الشابة السودانية الرائعة مريم يحي إبراهيم إسحق (27 عاماً) التي تواجه بشجاعة نادرة حكماً جائراً بالإعدام أصدرته بحقها محكمة سودانية بتهمة الارتداد عن الإسلام والتحول إلى المسيحية. الإعجاب مرده صلابة مريم وثباتها على مبدئها، وقوة إيمانها بعقيدتها وقضيتها، وعدم خوفها من البطش بها، وعدم اكتراثها بتعنت الحكومة السودانية، وعدم رضوخها أمام التهديدات، واستعدادها للتضحية بحياتها.

تعنت الحكومة السودانية تجاه مريم يتضح في تعاملها معها على أنها إمرأة مسلمة، ورفضها الاعتراف بأن المرأة الشابة نشأت وترعرت في كنف والدتها المسيحية، وأنها لم تؤمن يوماً بالإسلام ولم تمارس أبداً شعائره وفروضه. لم تأخذ المحكمة التي نظرت القضية بتأكيد مريم على أنها عاشت حياتها بالكامل مسيحية وأنها تزوجت كنسياً. محكمة النظام السوداني اكتفت بنسب مريم الحيوي إلى والدها المسلم الذي كان أهملها وتخلى عنها في طفولتها المبكرة.

رفض النظام السوداني الاعتراف بزواج مريم من مسيحي ينتمي إلى جنوب السودان. وبالإضافة إلى الحكم بإعدامها، فقد أدانها النظام بتهمة ممارسة الزنا مع مسيحي، هي التهمة التي حصلت بسببها على حكم بمائة جلدة على جسدها النحيل. وادعت أبواق الخرطوم الإعلامية أن الحكم جاء متسقاً مع الشريعة الإسلامية، التي تطبقها السودان منذ عام 1983، بحجة أن الشريعة لا تبيح زواج المسلمة من مسيحي، وأن أي علاقة جنسية بين مسلمة ومسيحي هي جريمة زنا تستوجب العقاب.

قامت الحكومة السودانية بالضغط على مريم حتى تشهر إسلامها، وكلفت رجال دين مسلمين بمحاولة إقناعها بالتنازل عن مسيحيتها. منحتها المحكمة، التي نظرت قضيتها، ثلاثة أيام للتخلي عن عقيدتها المسيحية التي نشأت عليها وبالتخلي عن زوجها، لكنها أبت بشجاعة وشموخ وأعلنت تمسكها بعقيدتها وبزوجها، وأكدت أنها لم ترتد عن الإسلام، وأنها كانت مسيحية منذ نشأتها وأنها لن تترك عقيدتها حتى لو كان الإعدام مصيرها.

المأساة هنا لا تتعلق بالرائعة مريم وحدها، ولكنه ترتبط أيضاً بطفليها (الأول يبلغ من العمر 20 شهراً، والثاني رضيع لا يتعدى عدة أيام وُلِد في السجن الذي تقيم به والدته) الذين ترفض المحكمة حضانة والدهما المسيحي لهما، طبقاً للشريعة الإسلامية، وهو ما يعني أن الطفلين سيعيشان يتيمان من أُمهما وسيتم حرمانهما من والدهما وستتم تربيتهما تربية إسلامية.

قضية الرائعة مريم تفتح من جديد ملف الأقليات الدينية التي تعيش في دول تطبق الشريعة الإسلامية. هذه الأقليات تضيع حقوقها تماماً ولا تلقى أبداً المعاملة الإنسانية الواجبة والتي تكفلها لها القوانين الدولية. مريم ليست الحالة الأولى ولن تكون القضية الأخيرة في قضايا الاضطهاد الذي تتعرض له الأقليات المسيحية في البلدان الإسلامية.

المسيحيون في البلدان ذات الأغلبيات الإسلامية يتألمون ولكنهم يصبرون ويتجرعون كأس الاضطهاد بصمت. المسيحيون يلتزمون قدر طاقتهم الإنسانية بالشرائع والقوانين التي تطبق عليهم والتي تهدر حقوقهم وتعاملهم على أنهم كائنات غير إنسانية. المسيحيون يحترمون عقيدة المسلمين ولا يتعرضون لها حتى للدفاع عن عقيدتهم في وجه نعيق المتطرفين الذين يتطاولون باستمرار على العقيدة المسيحية.&

لن يتطهر النظام السوداني من ذنوبه وسيئاته التي ارتكبها ويرتكبها بحق شعبه وشعوب الدول المجاورة بإعدام مريم وباضطهاد المسيحيين. النظام السوداني الذي يسعى لإعدام مريم بدون تهمة حقيقية معروف بمسئوليته عن دماء وأرواح عشرات الألاف من الأبرياء في دارفور وكردفان وجنوب السودان وغيرها، ولكنه كغيره من المتاجرين بالدين ينافق ويرائي ويدّعي تدينه ويزعم حمايته للإسلام وشريعته.

مريم يحي إبراهيم إسحق إمرأة شابة متعلمة ومثقفة تستحق كل الإعجاب والتحية لشجاعتها الفائقة في مواجهة نظام دكتاتوري ظالم يطبق شريعة دينية بغرض الحصول على شرعية لوجوده. مريم أصبحت رمزاً لكل مضطهد وكل مظلوم وكل إنسان تهدر الأنظمة الدينية أو الدكتاتورية حقوقه. مريم المسيحية تمر بضيقة تنبأ بها رب العقيدة المسيحية قبل ألفي عام. لكن الشابة السودانية الرائعة تثق أنها بإيمانها الذي لا يتزعزع تنتصر على عالم الشر الذي يمثله النظام السوداني. كل التحية لمريم في ضيقتها وسجنها. كل التقدير والإعجاب بها وبشجاعتها النادرة.

&

[email protected]

&