في ثمانينات القرن العشرين& كنا طلابا في فصل اللغة الانجليزية , وكان معلمنا مستر رايس يصبحنا كل صباح بخبر عن الحرب العراقية الايرانية المستعرة في ذلك الوقت كنوع من التدريس اللغوي كما يقول و يشرح لنا تقدم الجيش العراقي داخل الحدود الإيرانية , واحيانا يخبرنا بهجوم معاكس للإيرانيين يصد الهجوم العراقي.
&كان مستر رايس يسخر احيانا منا كعرب ومسلمين ويقول أنتم الأمة الوحيدة التي لاتتقدم وتسكن دائما في الماضي ولا تفكر في المستقبل. ويخبرنا أنه في النهاية ستعود الحرب إلى نقطة البداية ويكون الجميع خاسرين.
استمرت تلك الحرب ثمان سنوات& وعدنا الى أوطاننا وهي لاتزال مستعرة حتى تغير مجرى تلك الحرب القبيحة وتوقفت بين المتحاربين اللدودين لتنتقل الى جهة اخرى اكثر سخونة وغرابة. ومنذ ذلك التغير ومنطقة الشرق الأوسط تشهد تغيرات كبيرة ومتلاحقة& في كل شيء.
&&& في ثمانينات القرن العشرين غزا العرق إيران بحجة إسترداد شط العرب... وفي تسعينات القرن ذاته& غزا العراق الكويت بحجة ضم الفرع إلى الأصل , وفي بداية القرن الواحد والعشرين: غزت امريكا العراق وطردت نظامه , والشيء الوحيد الذي تغير في العراق أنه الآن لايتعرض للغزو من قوى خارجية وإنما يغزو& نفسه بنفسه , ويوشك العراق أن يتحول إلى كانتونات& , لأن فكر الإنسان العربي ذاته يعاني من تقسيمات كانتونية& تجذبه إلى التشبث بأسباب الإستبداد& التي لم تدعه ينهض منذ قرون كي يعانق& نسائم الحرية.
لم يتعلم العراقي بشكل خاص والعربي بشكل عام من التجارب والمآىسي مثلما تعلم الشعب الأمريكي من حروبه وصراعاته حتى بنى أعظم إمبراطورية للإنسان الحر. لأن النعرة تشكل ثقافة العربي&& فيظل أسيرا لتلك الثقافة التي& تجعله يهوى العيش عبدا لنعرته& ولايحلم& أن يكون حرا في واقع يتسع لكل المكونات ويمنح الأفضل أحقية القيادة في نظام يمنح الجميع ذلك الحق.
&وهكذا تتآكل الكيانات العربية , كيان بعد الآخر& وتسير في طريق مجهول المعالم في ظل غياب عقل يغوص في رؤوس النخب قبل العامة وسط وحل النعرة والخرافة وماسوشية التلذذ بسوط الجلادين والمشعوذين& ومزوري التاريخ والحقيقة.
ولو كان الشعب الأمريكي خاضعا لنعرة جاهلية لما أتى هذا الأسمر القادم من أدغال أفريقيا ومن أب مسلم كي يحكم أعظم قوة على وجه الأرض عبر صناديق الإقتراع.
هنا في أمريكا: الجميع تحت حكم القانون..ولا وجود للتصنيفات العرقية والطائفية .
ولا يهم أحدا أن تكون مسلما أو مسيحيا أو بوذيا أو يهوديا.. بقدر ما يهم أن تكون إنسانا حرا لايجوز لك الإعتداء على حرية الآخرين في وطن للجميع والدين لله وحده.
وقد اعجبتني عبارة منحوتة على حجر للرئيس الأمريكي جرالد فورد في متحف جميل يتوسط مسقط رأس الرئيس ويحوي مقولاته وصوره.. تقول العبارة:
جمهوريتنا العظيمة.. هي حكومة القوانين وليست حكومة الرجال.. ومصدرها الشعب!
أما في العالم العربي: فإن أغلب صراعاتهم تسببها النعرات التي لاتزال تسبح في دماء العرب كخلايا سرطانية خطيرة , تفتك بمستقبل شعوب هذه الأمة التي أصبحت محط سخرية كل شعوب العالم وهي تتناحر وتتحارب لأجل أن تحكم داحس.. أو داعش.. أو الغبراء.. وكلما لاح في أفق هذه الشعوب أمل في التحرر من طغيان وإستبداد& , إستيقظت النعرة لعنها الله وأيقظت معها الخاملين والكسالى والعاطلين والمرتزقة والمأجورين والمعتوهين& ليعيدوا إستنساخ النعرة من جديد وليجمعوا حولهم كل& نطيحة ومتردية .
كان مستر رايس في الثمانينات& يعلمنا أبجديات الانتخاب ويعزمنا في بيته لمشاهدة المنافسة القوية بين الرئيس الامريكي آنذاك جيمي كارتر.. والمرشح القادم للرئاسة بقوة رونالد ريقن.وكان متحمسا لفوز ريقن لأنه كما يقول& ضد عمليات الإجهاض , ولأنه سوف يحرر الرهائن الأمريكيين في السفارة الامريكية& في طهران& بالقوة& ويعيد لأمريكا كرامتها . وكنا كالطرشان وهو يعلمنا تلك الأبجديات التي& لا تزال طلاسم في عالمنا العربي حتى هذه اللحظة التي تنتصر فيها النعرة وينهزم فيها الصوت الانتخابي& والعقل!&
[email protected]
&