ثاني صحفي أمريكي لقى حتفه ذبحا ً على يد داعش، وإن انطلقنا من فكرة أن سلوك داعش ليس عشوائيا ً كما يظن البعض فأن الهدف من وراء قتل الصحفيين الأمريكيين هو بدون شك من أجل توريط الولايات المتحدة وجلبها للمنطقة لتبدأ مرحلة جديدة من الصراع الطويل الذي لانهاية له. ولكن، يبقى السؤال المهم؟ لماذا تريد داعش من أمريكا القدوم بجيوشها على الأرض وهي تعلم أن ذلك سوف لن يكون نزهة لداعش بعد المكاسب التي حققتها على الأرض؟

من الواضح أن أي تنظيم أو حركة أو مجموعة تدعو للتغير لابد أن تعتمد ليس فقط على أفكار جديدة تلهم بها مناصريها ولكن لابد لهذه الأفكار أن تستند على حكاية (Narrative) مقنعة ذات بعد عاطفي. أن وظيفة الحكاية هي توفير السياق الملائم للأكار المتبناة كي لاتبدو تلك الأفكار مجرد أحلام وأمنيات ليس لها واقع ملموس وبذلك توحد بها أتباعها ومريديها بهوية واحدة تجعل منهم يشعرون أنهم كيان واحد وأن مايجمعهم أكثر بكثير مما يفرقهم (We -vs -Them). ولنعد لنشئة داعش وما الأفكار والحكاية التي تقوم عليها. من المؤكد أن داعش هي أبنة القاعدة بإمتياز لكنها تتميز عن القاعدة بأشياء مختلفة. أن أفكار القاعدة هي العودة لمذهب السلف الصالح نتيجة الأحباط الذي تعيشه مجتمعات أغلب الدول العربية والإسلامية لأسباب مختلفة. أما الحكاية التي تقوم عليها القاعدة فهي أن الكفار، المتمثلين بالغرب، هم المسؤولون المباشرون على هذا التردي على إعتبار أن أغلب تلك الدول كانت تحت يد المستعمر الغربي المختلف بالدين والثقافة والعقيدة وأن أولئك الكفار قد رحلوا لكنهم خلفوا رؤساء وملوك عملاء لهم وهم الذين يسمحون للثقافة الغربية الكافرة بالتسلل لمجتمعاتنا وتخريبها من أجل السيطرة عليها. فحكاية الخطر المحدق بالإسلام من قبل الغرب الصليبي الكافر خطاب وحد مقاتلي القاعدة في هوية واحدة وشعور بالخطر مشترك مع وجود أفكار لإقامة مجتمع إسلامي مثالي يشبه كثيرا ً مجتمع السلف الصالح.

ولكن، مالذي يميز داعش؟ أن توالي الضربات على الجيلين الأول والثاني خلق جيلا ً ثالثا ً من أبناء القاعدة ممن ينتظمون بطريقة غير هرمية وممن يجندون أنفسهم من خلال إستخدام الشبكة العنكبوتية في كل بقاع الأرض. لم تحتج داعش لأفكار جديدة تختلف عن أفكار القاعدة فهي لاتبدو أفكارا ً بالية بل لاتزال طرية ومن السهل توظيفها، لكن مايميز داعش هو اختلاف الحكاية التي توحد مريديها بهوية وشعور واحد يجعل منهم كيان موحد يجذب أنصارا ً جدد من الحالمين والمغامرين والمهمشين والسذج من كل بقاع الأرض؟ ماهي تلك الحكاية؟ نعم، الحكاية هي قصة المظلومية التي يتعرض لها السنة على يد الشيعة، فتحويل البوصلة هذه المرة من الغرب الكافر للعدو الداخلي المشرك الذي هو اشد خطرا ً على الإسلام بالإستناد على قصص وخرافات من التاريخ كقصة أبن العلقمي وقصص الصفويين الذين كانوا لايختلفون عن الأتراك بشيء في وحشيتهم. فبعد خروج آخر جندي أمريكي من أرض العراق لم يبق سبب لفصائل كثيرة كانت تحارب الأمريكان والحكومة العراقية للإستمرار بالمعارك والقتال الذي يجلب السلطة والمال وأشياء أخرى فكان الصراع الطائفي هو الأقرب لتأليف قصة جديدة بهوية جديدة ونزاع من نوع آخر أكثر وحشية وعنفا ً. أن ماساعد داعش على تبني خطاب مظلومية أهل السنة أسباب خارجية وداخلية كثيرة.&

إذن، قصة المظلومية التي يعيشها أهل السنة بالعراق هي ماتوحد داعش، فهل صمدت تلك القصة وأصبحت أكثر إقناعا ً لإبناء المنطقة؟ بالتأكيد لا! فداعش يعتمد على البيئة الحاضنة في غرب العراق والتي تشعر بالتهميش والإقصاء من قبل الحكومة المركزية التي كانت تتصرف بلا وعي أو تخطيط أو مسؤولية فعززت تلك القصة وجعلت من فئة كبيرة من العراقيين أعداء وإن لم يعلنوا ذلك. أن قصة المظلومية لم تصمد طويلا ً فبعد مهاجمة اليزيدية والمسيحيين والسنة الأكراد والعبث بتراث وأرواح الناس في الموصل أتضح لتلك الحاضنات بأن القصة ليست قصة شيعة وسنة ومظلومية، على العكس، هي قصة مال وسلطة ونساء ومشروع يتعدى الحدود وغير ذلك بكثير وبدا هذا واضحاً بإنقلاب الضاري والدوري على داعش بعد إعلان الخلافة بين ليلة وضحاها. فما دخل اليزيديين وهم أناس مسالمين وما دخل المسيحيين وهم أبناء هذا البلد من ألفي عام وليسوا غربيين أم مهاجمة الأكراد فهي تقوض فكرة ظلم الشيعة للسنة على إعتبار أنهم من السنة أيضا ً. أن فشل مشروع المظلومية حكاياتيا ً وعسكريا ً بعد التقهقر والهزائم وعدم التقدم نحو بغداد جعل داعش تبحث عن قصة جديدة غير قصة السنة والشيعة. فداعش تبني مواقفها على ردات الفعل من المقابل فقد كانت تنتظر أخطاء المليشيات الشيعية الموالية للحكومة لتعزز قصتها إلا أن تلك المليشيات بدت أكثر وعيا ً وإنضباطا ً من ذي قبل وهي تقاتل وسط كيان من طائفة أخرى فما كان من داعش إلا العودة لمربع القاعدة الأول وهو قصة الصراع بين المسلمين والكفار الغربيين.ا

ان جلب الولايات المتحدة بجيوشها للمنطقة سينعش قصة الصراع مع الغرب الكافر المحتل الذي ينتهك أعراضنا ويغتصب نسائنا ويسرق أموالنا. أن من يقاتل داعش لابد أن يفند تلك القصة ليفرق بينهم وبين من يحتضنهم ولن يكون ذلك إذا قدمت الولايات المتحدة لوحدها للمنطقة بقتال داعش فالأمر يحتاج لتحالف دولي كما كتبت سابقا ً بمساعدة مجموعات محلية وحكومة تجمع كل الأطياف من مكونات الشعب العراقي.

&

[email protected]&

&