لم يكن هناك شك منذ البداية أن حسن روحاني لايريد ولايستطيع إحداث تغيير في حالة حقوق الإنسان في ايران او في مجال سياسة النظام التوسعية في المنطقة. لكن البعض كان يعتقد أن باستطاعته اتخاذ خطوات لتحسين الاقتصاد الإيراني. كما إنه أطلق وعوداً في هذا المجال خلال السنتين الإولى والثانية من رئاسته.

لكن الآن وفي السنة الثالثة يمرّ الاقتصاد الإيراني بأحد أشدّ المراحل ركوداً في التاريخ الإيراني. ووصف مسعود خوانساري رئيس غرفة التجارة في طهران العام الحالي «علّه أصعب مرحلة اقتصادية خلال الأعوام الثلاثين الماضية». واعتبر رضا شهرستاني عضو مجموعة المنتجة للفولاذ أن الركود الاقتصادي في العام الحالي بلامثيل خلال الأعوام الخمسين الماضية.

التنمية الاقتصادية بحدود الصفر، والنقص في الميزانية الحكومية 50%، وهبوط قيمة العملة الوطنية. ويقول الوزراء الذين يعملون في مجال الاقتصاد أن سوق العمل هبط بنسبة 42% خلال 19 شهراً الماضية، وأرباح المصارف تدنّت بشكل لايوجد لها تحسين في المنظور خلال السنوات الخمس القادمة، كما أن صناعة السيارات على عتبة التوقف.&

بناءا على تقييم صندوق النقد الدولي هبط الدخل الفردي في إيران من 6420 دولاراً إلى 5353 دولاراً بين 2011 و2014، بمعنى أن كل ايراني قد افقر بنسبة 17% خلال اربعة أعوام. وقد وصل الدخل الفردي الإيراني في العام 2014 بحدود نصف الدخل الفردي اللبناني. ويشير هذا التقييم أن في العام 2014 الإيرانيون كانوا أشد فقراً من الاردنيين والعراقيين والجزائريين.&

هذه الأرقام والشواهد- وأمثالها كثيرة في إيران- تسمح لنا أن نستنتج أن وعود روحاني الاقتصادية لم تعد أكثر من وعود!

***

ما شرحناه كان في وقت لم تفرض فيه عقوبات اقتصادية جديدة على إيران منذ 2013، وفي المقابل كل شهر تم رفع العقوبة عن مبالغ من الأموال المجمّدة لصالح النظام وتم تحويلها لحكومة روحاني، والأهم هو الوصول إلى الاتفاق النووي. بعد الاتفاق مع أنه لم يحن بعد موعد تنفيذه لكن العقوبات تراخت بفعل هذا الاتفاق. وبدأت الوفود السياسية والتجارية والاقتصادية الأوربية ذات مصداقية تتوافد إلى طهران، ومن ثم عقد اتفاقيات مع النظام.&

لكن مع كل هذا لم تتحسن الحالة الاقتصادية الإيرانية بعد الاتفاق النووي، بل بالعكس أصبحت أسوأ عما كان.

***

هنا يجب طرح سوآل كبير: ما هو السبب؟

هناك عوامل عدة من بينها هبوط السعر العالمي للنفط، وهبوط أسعار بعض المعادن مثل الألمينيوم والنحاس التي تعدّ إيران من أكبر منتجيها، وتقلص التصدير إلى العراق بسبب سيطرة داعش على أجزاء كبيرة من البلد، لكن هناك عوامل أساسية لها دور حاسم في فرض هذه الحالة الاقتصادية المتردية.&

الحقيقة هي أن العقوبات الاقتصادية قد ساعدت في تفاقم المشاكل الاقتصادية الإيرانية لكنها لم تكن اساس المشكلة. الأسباب الرئيسية للمشاكل الاقتصادية هي:

&اولا عدم وجود الاستقرار السياسي والأمن القضائي،&

وثانياً عدم وجود قوانين ونظامات شفافة خارجة عن نفوذ عصابات السلطة،&

و ثالثاً حرف مسار المؤسسات المالية وخاصة المصارف عن مسارها، بحيث بدلاً أن تكون محور التمنية والازدهار الاقتصادي، باتت مصدراً للتخريب. لأنها في جملة واحدة تحوّلت إلى صناديق حكرية للشركات التابعة لولاية الفقيه وقوات الحرس.

رابعاً الفساد المالي والإداري العميق. خامساً وأهم من الكل سيطرة ولاية الفقيه والحرس على أكبر حصة من الاقتصاد الإيراني. ما ذا يعني استلاب ولاية الفقيه لحدود ثلثي الانتاج الوطني العام؟ هذا ليس معناه تراكم كبير علي حساب التقدم باقتصاد البلد، بل جعل من الاقتصاد الإيراني مصدر إسناد للحروب في سوريا واليمن والعراق. إن تكاليف الحروب المؤججة والإرهاب في المنطقة تثقل كاهل الاقتصاد الإيراني. إذن نحن أمام اقتصاد تنوء تحت وطأة حروب، وإذا ازداد مدخول النفط من جديد فأنه سيصرف في مجال تحسين ظروف هذه الحروب، وأذا تحسّنت الصادرات غير النفطية او الانتاج المحلي، فسيشعر خامنئي بمزيد من الحرية في صرف مزيد من الأموال لإبقاء بشار الأسد أو للحوثيين في اليمن.

هل روحاني يستطيع إجراء اصلاحات تؤدى إلى أن يصبح النظام المصرفي نظاماً نزيهاَ؟ هل يستطيع المصادقة على قوانين شفّافة ومستقرة والحفاظ عليها؟ هل يستطيع توفير الأمن القضائي والاستقرار السياسي؟ وهل يستطيع إجراء إصلاحات في الاقتصاد الإيراني لايكون فيه الاستيراد والصادرات والانتاج وسوق الاستهلاك المحلي ونظام الصرف و... خارج احتكار ولاية الفقيه؟ الجواب: لا. لايستطيع لأن مثل هذه الإصلاحات تنافي مع أسس نظام ولاية الفقيه.

على ذلك يمكن التوقع أنه حتى بعد ما دخل الاتفاق النووي حيّز التنفيذ وترفع العقوبات كاملة، ستبقى أزمة الاقتصاد في البلد كما هي. لأن القيود على بيع النفظ ترفع في وقت تعيش فيه السوق العالمية في حالة سيئة وسعر النفط هبطت بنسبة 60% مقارنة بالعام الماضي. صناعة النفط الإيرانية بحاجة إلى استثمارات هائلة بحدود مئات المليارات من الدولارات والنظام لايستطيع من توفير هذه المبالغ.

هذا اولا وثانيا وأهم من أي سبب آخر: هناك مشكلة سياسية في الأساس: ليس هناك حل اقتصادي للاقتصاد الإيراني، بل هناك حاجة إلى تغيير سياسي كبير وهو ازالة النظام الحاكم المانع الرئيس لانتعاش الاقتصاد.&