بمجرد إعلان المملكة العربية السعودية عن تشكيل تحالف عسكري إسلامي، تسابقت الدول العربية والإسلامية على الانضمام إليه، حتى وصل قوام التحالف إلى حوالي 34 دولة.. خاصة وأن هذا التحالف سيوجه ضرباته ضد الإرهاب في اي مكان بالوطن العربي، فمعنى ذلك سوف يستهدف القضاء على تنظيم داعش في العراق وسوريا، ولن يسلم التنظيم في ليبيا من ضرباته ايضاً، بعد أن سيطر على مدينة سرت، واتخذها عاصمة له، الأمر الذي يهدد المنطقة، والدول المجاورة لليبيا مثل مصر وتونس، ويجعلها هدفاً لإرهاب التنظيم.

لا شك أن هذا التحالف الذي تفوده السعودية، سيكون له إيجابيات عدة، أهمها أنه يثبت للعالم الغربي أن الإسلام بريء من الإرهاب وأنه يحاربه في اي مكان وزمان، وبذلك ينفي الربط بين العنف والإسلام، خاصة بعد حادث باريس الإرهابي الذي نفذه تنطيم داعش المتطرف بدم بارد وقتل مئات الأبرياء الذين لا ذنب لهم، كذلك حادث كاليفورنيا الذي أودى بحياة 14 أمريكياً، وجرح العشرات.. الأمر الذي يؤكد أن الإسلام الوسطي لا علاقة له بهؤلاء المتطرفين الذين يتاجرون بالدين، والذين لا يختلفون كثيراً عن أي تطرف أو عنصرية تنتج عن أي ديانات أخرى مثل اليهودية أو المسيجية.

ومن إيجابيات التحالف أيضاً، أنه قد ينجح في ذوبان جبال الخلافات العربية – العربية، التي تنخر في جدران الجسد العربي، وتؤدي إلى تهالكه وتصدعه، فلا أحد ينكر وجود خلافات جوهرية بين مصر من جانب، وقطر وتركيا من جانب آخر، بعد أن نجحت مصر في إزاحة جماعة الإخوان المسلمين عن السلطة، بناء على رغبة الشعب المصري الذي نزل في 30 يونيو وطالب برحيلهم.. وبعد انتخابات "من وجهة نظري نزيهة"، صعد الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى سدة الحكم، بعد أن طالبه شعب مصر بالترشح للرئاسة، وبعد أن كشف عن مخطط الإخوان لتقسيم الوطن، والقضاء على مقدرات مصر وجيشها في صفقة امريكية قذرة..

رغم كل ذلك، ترى مصر أن قطر لا تزال تأوي رموز الإخوان الهاربين من مصر، بل وتمول توجهاتهم التي تستهدف نشر الفوضى بالبلاد.. أما تركيا فلا تزال تناصب مصر العداء منذ إسقاط مرسي، ويستغل الرئيس رجب طيب أردوغان أي فرصة لوصف ما حدث في مصر بالانقلاب، حتى أنه سمح لإعلاميي الإخوان بإطلاق قنوات فضائية تبث من تركيا بأموال مشبوهة لسب وشتم ومهاجمة مصر، كما أن الخليفة اردوغان من وقت لآخر نراه وهو يشهر "إشارة رابعة" في وجه المصريين، رغم أن الإخوان أنفسهم تناسوها وواجهوا الواقع الأليم بعد أن لفظهم الشعب وطردهم من الساحة السياسية، وقضى على مستقبلهم، لتضيع أحلامهم تحت أقدام الرفض الشعبي الهادر لهم.. ومع ذلك يستمر أردوغان تركيا في سياسته العدائية ضد مصر، بعد أن تسربت من بين يديه أحلام الخلافة.

كما أن هناك دولاً عربية وإسلامية دخلت تحت لواء هذا التحالف، وبينها اختلافات في وجهات النظر حول ملف سوريا، حيث انقسمت دول بين مؤيد ومعارض حول التدخل الروسي في سوريا لحماية نظام الأسد بالتعاون مع إيران وحزب الله، فهناك من يرى ضرورة إسقاط الأسد والتخلص من نظامه، وصولاً إلى سوريا الجديدة.. وهناك من يرى ضرورة استمرار نظام الأسد مع إجراء انتخابات حرة، خوفاً على الوطن من السقوط ودخول سوريا في دائرة الفوضى مثلها مثل العراق وليبيا واليمن، إضافة إلى اختلاف العرب بشكل عام حول هذا الملف الدامي، وفقاً لوجهة نظر "ماما أمريكا".. ومصالح العرب الإستراتيجية مع دول الغرب.

هذه بعض الملفات الشائكة، وليس كل، والتي تؤرق هذا التحالف، وتحتاج إلى حلول جذرية حتى يكتب الله النجاح لهذا التحالف، ولا يلقى مصير القوة العربية المشتركة التي ظهرت في الأفق، ثم تلاشت وتبخرت أحلامها نتيجة الخلافات العربية – العربية.. وتم وأدها وهي في المهد.

إنها تحديات يجب أخذها بعين الاعتبار، قبل أن نهلل ونطبل كالعادة لهذا التحالف، حتى يقام على أرض صلبة، ويحقق الهدف منه، بعيداً عن الأحلام العربية التي كثيراً ما تحطمت فوق صخرة الخلافات.. وتحولت إلى "كوابيس" تؤرقنا وتعرضنا لخسائر لا أول لها ولا آخر..ولنا في القضية الفلسطينية الضائعة عبرة،، أيها العرب!

&

كاتب مصري

[email protected]

&