&غير خاف على أحد مدى تأثير التقارب وكذلك التباعد الايراني – السعودي على الكثير من الملفات الاقليمية والدولية بل وحتى الداخلية.

تعرضت العلاقات الايرانية السعودية لمد وجزر منذ تأسيس الجمهورية الاسلامية وإلى هذا اليوم، ففي مراحل شهدت العلاقات تقاربا وطيدا مما انعكس بشكل ايجابي على القضايا الاقليمية، بينما اذا توترت العلاقات وانقطعت، نرى أن أزمات المنطقة تتعقد أكثر وتصل إلى طريق مسدود، مما يبرهن على مدى نفوذ البلدين على دول المنطقة.

منذ عام 2005 الذي شهد بدايات تأزم الملف النووي الايراني بفرض الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي القرارات ضد ايران بدأت العلاقات بين ايران والسعودية تشهد انحدارا وتباعدا والمراحل الأولية للتوتر، والأمر لم يقتصر على العلاقات السعودية الايرانية وحسب وانما بين طهران وأغلب عواصم العالم، وبدأ التوتر يتصاعد مع تزايد الضغوط والقرارات الدولية ضد طهران، حتى اندلاع الثورات في بعض البلدان العربية عام 2011.

حتى ذلك الوقت كانت العلاقة بين ايران والسعودية شأنها شأن العلاقة بين ايران وسائر الدول، فبما أن السعودية وسائر الدول مضطرة إلى الالتزام بقرارات الحظر الدولية ضد ايران فمن الطبيعي أن لا تكون العلاقة وطيدة بين البلدين، ولكن مع اندلاع الثورات في البلدان العربية واتخاذ طهران موقف المؤيد لها بدأ التوتر يتصاعد في علاقات البلدين، ونتيجة لموقف ايران من ثورات الربيع العربي بدأت السعودية ودول عربية أخرى باتهام طهران بانها تسعى إلى الاخلال بأمن واستقرار المنطقة.

ولقي هذا الاتهام حاجة في نفس الغرب الذي كان يرمي من انسياقه وراءه ممارسة المزيد من الضغوط على ايران لتتخلى عن برنامجها النووي أو تتخلى عن بعض مواقفها تجاه قضايا المنطقة وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، وبغض النظر عن الطرف الذي فرض رأيه في المفاوضات الغربية – الايرانية ولكن الغرب برهن بتوصله إلى الاتفاق مع ايران على انه لايعير اهمية لموقف بعض الدول العربية من الحكومة الايرانية على الرغم من تاكيده المستمر انه لا يزال متمسكا بتحالفه مع هذه الدول العربية.

لسنا بصدد تسليط الضوء على التغيير الذي طرأ على الموقف الغربي تجاه طهران بقدر ما نود الاشارة إلى أن الورقة التي كانت تراهن بعض الدول العربية عليها لتركيع طهران وهي الضغوط الغربية، احترقت، لا بل أن الغرب بدأ يعول على مشاركة ايران في حل بعض أزمات المنطقة بعد أن كان وكانت بعض الدول العربية ترفض اشراكها فيها كالأزمتين السورية واليمنية.

اذا كانت المفاوضات النووية اثبتت مبدأ أساسي طالما أكدت عليه طهران وهو امكانية ايجاد الحلول للازمات المعقدة عبر المفاوضات، ألا تستطيع ايران والسعودية التوصل إلى حل لخلافاتهما عبر الحوار؟

بالتأكيد يستطيعان خاصة وأن الخلاف الايراني السعودي ليس خلافا عقائديا ومذهبيا، فعلى الرغم من اعتقاد البعض أن ايران تريد أن يسود المذهب الشيعي في العالم الاسلامي، وأن السعودية تريد أن يسود المذهب السني العالم الاسلامي، ولكن لا توجد أي مؤشرات على ذلك، بل هناك مؤشرات عكس ذلك فنرى أن علاقات السعودية مع أطراف شيعية أقوى من علاقات هذه الاطراف بايران، والعكس صحيح.

هذا يشير إلى أن الخلاف سياسي وما دام الأمر كذلك فيمكن حله عبر الحوار والتفاهم واحترام رأي ومصالح كل طرف لمصالح ورأي الطرف الآخر، وضرورة تقديم التنازلات التي لا تعرض مصالح البلدين للخطر، ومن المؤكد أن تمسك أي طرف بمبدأ التابع والمتبوع أو مطالبة أي طرف تقديم التنازلات من الطرف الآخر لن تحل الأزمة إن لم تعقدها وتفاقمها.

اذا ارادت السعودية ان تكون ايران تابعة لها في سياستها الاقليمية والدولية، أو أرادت ايران فرض شروطها على السعودية فلا الرياض ستحقق ما تريده ولا طهران بينما كليهما يستطيعان التوصل إلى حل وسط عبر التفاهم والحوار، ومع ظهور مؤشرات على حلحلة الأزمتين السورية واليمنية فان الفرصة مؤاتية للسعودية وايران لتجلسان مع بعض وتسعيان إلى حل مشاكلهما بأعتبار أن سوريا واليمن من أبرز الملفات التي تعرقل التقارب الايراني-السعودي.

علاوة على تضرر البلدين من استمرار الأزمات بينهما فان دول المنطقة تتضرر بدورها جراء توتر العلاقات بين ايران والسعودية، على سبيل المثال لا الحصر ان أغلب دول المنطقة تواجه اليوم أزمة كبيرة نتيجة خفض عائداتها النفطية وتستطيع دول المنطقة تجاوز هذه الأزمة من خلال اتفاق دولها وفي مقدمتها ايران والسعودية على خفض انتاج الأوبك.

السيطرة على أسعار النفط نموذج واحد يمكن لايران والسعودية أن تسيطران عليه بالتفاهم مع بعضهما البعض من جانب والتفاهم مع سائر الدول من جانب آخر، وحل هذه المشكلة تخدم مصلحة البلدين وكل البلدان التي تعاني منها.

هناك العشرات من النماذج التي تتأثر بشكل مباشر أو غير مباشر بالتقارب أو التباعد الايراني-السعودي ولو أردنا سردها لطال بنا المقام، غاية الأمر أن البلدين لو اتفقا على حل خلافاتهما لانعكس ذلك بشكل ايجابي عليهما وعلى الجميع مما يشير إلى أن ايران والسعودية ودول المنطقة والعالم تستفيد من التحالف الاستراتيجي بينهما، وتضرر من استمرار خلافاتهما.

&