اذا كانت أوداج وزير الخارجية الايراني انتفخت وأحمر وجهه ورفع سبابته وصرخ بوجه جون كيري محذرا اياه من تهديد الشعب الايراني، فمالذي يمنع طهران من الرد على التهديدات التي توجهها بعض دول المنطقة لها؟

ففي احدى الجولات الأخيرة من المباحثات النووية بين ايران ومجموعة 5+1 هدد وزير الخارجية الأميركي جون كيري بتدمير ايران واستخدام الخيار العسكري اذا لم تقدم التنازلات، فاستشاط ظريف غضبا وقال: "أياك أن تهدد ايران".

ربما هناك من يسخر من القول ان طهران قادرة على التصدي لتهديدات واشنطن، ولكن رد أحد المسؤولين الايرانيين حول التهديدات الاسرائيلية لايران وقوله، ان ايران ترد على التهديدات الأميركية، فمن تكون اسرائيل مقارنة بأميركا؛ يكشف أن ايران جادة في الرد على التهديدات الأميركية.

ولا ينبغي أن نذهب بعيدا في جدية ايران وقدرتها على رد التهديدات، فالسنوات التي حكم فيها أحمدي نجاد ايران دليل جلي على ذلك، وهناك من يقول أن أحمدي نجاد لم يأت للسلطة إلا للرد على التهديدات التي أطلقها جورج بوش ضد ايران، بل ان الحرب كادت أن تقع بين الولايات المتحدة وايران لولا وقوف أحمدي نجاد بصلابة أمام التهديدات الأميركية واطلاقه تهديدات مماثلة.&

ربما يعود سبب سخرية البعض من هذا الكلام وتقليله من شأن ايران وقدراتها إلى أن بعض دول المنطقة أطلقت تهديدات صريحة ضد ايران غير أن طهران لم تنبس ببنت شفة، بل دعوني أزيدكم من البيت شعرا، وأؤكد لكم أن أزمة الملف النووي الايراني ما كانت لتطول كل هذه السنوات لولا تآمر بعض دول المنطقة ضد ايران، فكلما كان الملف يقترب من الحل حزم مسؤول كبير لاحدى دول المنطقة حقائبه وذهب الى واشنطن فيشكو هناك من تدخلات طهران في بلاده وتهديدها لأمنها واستقرارها، بل كانت بعض الزيارات جماعية لاقناع واشنطن بأن طهران تشكل تهديدا لأمن واستقرار المنطقة وبالتالي لا ينبغي الغاء الحظر وانهاء الضغوط والتهديدات ضدها.

الملفت أن طهران لا ترد على التهديدات التي تطلقها بعض دول المنطقة وحسب بل انها تدعو الى تعزيز علاقتها وتطويرها مع تلك الدول، مما أثار غضب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، حتى ان سماحته احتج في احدى خطبه الأخيرة على الطلب المتكرر للمسؤولين الايرانيين بلقاء المسؤولين السعوديين، معتبرا عدم استجابة الرياض يحط من كرامة ايران واذلال لها.

أسباب عديدة تمنع ايران من الرد على تهديدات ومؤامرات وتطاولات بعض دول المنطقة، غير أن السبب الرئيسي وراء ذلك هو أن ايران تعتقد أن القوى الدولية تسعى الى تهميش العالم الاسلامي في المنظومة العالمية، ومع ان هذا العالم يمتلك القدرات والثروات والمواقع الجيوسياسية في العالم الا انه لا يتمتع بالمكانة التي تناسب حجمه، وتؤمن طهران من أعماقها أن أحد أسباب تحجيم العالم الاسلامي في المنظومة العالمية يعود الى الخلافات التي طالما تتطور الى حروب بين الدول الاسلامية.

من هنا فان طهران لاتكتفي بعدم الرد على تهديدات وتطاولات دول المنطقة وعموم الدول الاسلامية، بل وتسعى إلى تعزيز علاقاتها بها، وتمد يدها لها مرة ومرتين وثلاث وأكثر لتسوية الخلافات وسوء الفهم، وربما بعض الدول أدركت هذا المبدأ وعلمت أن طهران لن ترد عليها وانها مشغولة بهموم أكبر من تبادل الاتهامات؛ لذلك لم تتورع عن الاستمرار في التطاول عليها.

مشكلة بعض دول المنطقة أن ثقتها بالغرب عالية جدا فوضعت كل بيضاتها في السلة الغربية على الرغم من أن التجربة أثبتت عكس ذلك، فسرعان ما تخلى الغرب عن أقرب حلفائه ان لم نقل أنه ساهم في التآمر والايقاع به لتحقيق مصالح أكبر، بينما الذي تدعو اليه ايران هو ايجاد التفاهم والتقارب بين دول المنطقة وصولا الى التعاون في حل مشاكل بعضها البعض الآخر.

ايران ستواصل جهودها للتقريب بين الدول الاسلامية من أجل تحقيق الهدف المذكور، غير عابئة في الوقت الراهن بتطاول هذه الدولة أو تهديد تلك، إلا ان لصبرها حدود وحينما تغضب فينبغي حمل غضبها محمل الجدية.