فـــؤاد مطـــر
صحافيّ وكاتب ومؤلّف لبنانيّ

منذ الإعلان عن الإتفاق النووي بين الدول الخمس+1 وإيران يوم الثلاثاء 14 يوليو2015، وهنالك ضجيج غربي - إيراني حول هذا الإتفاق، وتُراوح مفردات التعبير عن الموقف من هذا الإتفاق بين تأكيد المرشد علي خامنئي ومرجعيات ثورية إيرانية عسكرية ودينية بأن الإتفاق لن يُثني إيران عن مشروعها النووي والطموح السياسي، وتأكيد أميركي - أوروبي بأن ما بعد الإتفاق لن يكون كما قبْله وأن عدم تنفيذ العلني من الإتفاق والكتمان على السري منه يعني العودة إلى فرْض العقوبات ومعاودة التأزم كما كانت عليه الحال على مدى ثلاثة عقود.

ومثلما أن للتأكيد الإيراني أصداء أو إمتدادت فإننا رأيْنا الأمين العام ﻟ «حزب الله» السيد حسن نصرالله يقول في إحتفالية تخريج جيل من أبناء الشهداء يوم السبت الماضي( 25 يوليو 2015) كلاماً بالمفردات نفسها التي وردت في خطبة المرشد& لمناسبة عيد الفطر والتي لا تتراجع عن إعتبار أميركا ما زالت«الشيطان الأكبر»بعد الإتفاق النووي كما قبل الإتفاق.

وفي الضفة الأخرى نرى عرَّاب الإتفاق وزير الخارجية الأميركية يقول للأطياف الأميركية المتحفظة على الإتفاق والتي لا يتوقف ضجيجها المرافق للضجيج الإيراني إن رفْض الصفقة سيتيح لإيران تطوير سلاح ذري خلال سنة.

هذا الضجيج من كلا الجانبيْن لا يعني أن الصفقة لم تتم.فكما أن السكوت علامة الرضى كما المثل السائر،فإن الضجيج هو أيضاً علامة التسليم بالأمر الواقع. وحيث أن هذا الملف العالق على أهبة الطي نهائياً فإن وقْف الضجيج في شأنه هو الأفضل،والإنتقال إلى وقْف النزف الناشىء في المنطقة على مدى ثلاثين سنة،والبدء بدمْل الجراح الناشئة في أكثر من بلد عربي نتيجة أن الجمهورية الإسلامية في إيران تتطلع إلى أن تكون«الأمبراطورية الإسلامية في المنطقة» وهو أمر ممتع كحُلم إلاَّ أنه كتطبيق ليس سهْل التنفيذ.. حتى إذا إمتلكت إيران السلاح النووي..هذا إذا نحن إفترضْنا إنها إمتلكتْه وأن التسويف في موضوع التفاوض كان من أجل تسريع المرحلة الأخيرة من الإمتلاك.

ونحن عندما نتطلع إلى إستدارة تستهدف عدم المبالغة في رفْع سقف الطموح الأمبراطوري،فلأن الأزمات المعيشية والإجتماعية في دول المنطقة بدءاً بإيران وصولاً إلى لبنان مروراً بسوريا والعراق واليمن وليبيا والسودان وفلسطين وبعض الباقيات على الطريق تتفاقم كما لم يحصل ذلك من قبل، وإلى درجة أن وصول التفاقم إلى نقطة عدم التحمل سيتسبب في إنفجار يتجاوز دويه بكثير الحُلم النووي وسيتبين أن من يمتلك أقوى أنواع السلاح أو حتى السلاح النووي نفسه غير قادر على معالجة أزمات إجتماعية طارئة كتلك التي واجهها اللبنانيون ونعني بها كارثة النفايات التي كنا نتوقع من الأحزاب اللبنانية على مختلف مشاربها ومن الكتل البرلمانية على مختلف تسمياتها ومن المؤسسة العسكرية وسائر المؤسسات الأمنية والمرجعيات الدينية على مختلف مذاهبها،أن يتداعى ممثلون عنها إلى إجتماع طوارىء وتجنيد الألوف من المحازبين والمناصرين يتم تزويدهم بكمامات كما يحدث عند تزويدهم خلال الإحتفالات بقبعات من لون واحد، ومحاصرة إنتشار النفايات المتكدسة ونقْلها ليطمرها كل منهم في المنطقة التي يتزعم شعبها أو جرى تزعيمه نتيجة ظروف قاهرة على هذا الشعب، وبذلك يؤكد هؤلاء أنهم حادبون على لبنان وأن التلوث السياسي يكفي هذا الوطن المغلوب على أمره.

&لكن ما توقَّعنا حصوله على أساس أن القادرين على إنزال مليون لبناني إلى الساحة رافعين الأعلام إبتهاجاً بإنتهاء زمن الوصاية السورية، وتسيير مسيرات في الشوارع تطالب بحقوق للمسحيين يتحملون هم أصلاً مسؤولية ثغرات أصابت هذه الحقوق،وإرسال ألوف المقاتلين إلى سوريا للإشتراك في «واجب جهادي» بديلاً عن واجب إسداء النصح،إكتفوا بتوجيه اللوم ولم يأخذوا في الإعتبار أن النفايات& تكدُّساً وأدخنة هي خطر على الوطن...وبالذات على أجيال آتية لن تذكر المسؤولين والزعماء المتخاذلين بأي كلام تصاغ مفرداته بالإحترام.

&عسى ولعل يحدث من جانب الذين يقودون ويحكمون ويتزعمون من أجل أن يحكموا، بعض التأمل في أحوال البلاد والعباد من إيران إلى لبنان مروراً بكل بلد عربي يقاسي الويلات مما يجري فيه،فتكون هنالك إعادة نظر بعد وقفة مع النفس والضمير.

&