&

منذ أن تولى الملك سلمان بن عبد العزيز الحكم بدايات هذا العام، قدمت المملكة العربية السعودية توجها جديدا في مقاربة قضايا المنطقة، كالقضايا الساخنة في اليمن، والأزمة السورية، وقضايا الإرهاب وغيرها من الملفات الشائكة. وبدخول المملكة في إستراتيجية عاصفة الحزم، دفاعا عن أمنها على حدودها الجنوبية، و قطعا للطريق على إيران التي تتوخى إستراتيجية التخريب في كل منطقة تهيمن عليها؛ كان لابد أن تكون الرؤية الإستراتيجية للسعودية أكثر استشرافا لمجموع القضايا التي تحيط بالمنطقة.
لقد أدركت المملكة العربية السعودية في إستراتيجيتها الجديدة هذه، أن هناك كلمة مفتاحية واحدة لسياسات التخريب في المنطقة، وأن هذه الكلمة بمثابة كلمة السر التي تفسر الكثير من الأزمات المتتالية من سوريا إلى اليمن إلى لبنان إلى العراق إلى داعش. ولن نعدو الواقع إذا ما قلنا أن كلمة السر وراء هزّ الاستقرار في المنطقة العربية والشرق الأوسط إنما هي إيران.
اليوم أصبح الأمر أكثر وضوحا، فحتى تنظيم داعش الإرهابي أصبحت علاقاته الخفية مع إيران أكثر معروفة تقريبا؛ وإلا فما معنى أن لا نرى حتى اليوم تفجيرا انتحاريا واحدا لهذا التنظيم في إيران؟ وهو الذي ظل يتوعد " الروافض " كما تقول أدبياته، في كل مكان؟
في الأساس، ظلت سياسات المملكة الخارجية وإستراتيجيتها تعبيرا عن سياسة عدم التدخل في شؤون الغير، حتى إذا ما طلب منها بعض الدول ذلك فإنها تدعم التوافق والإجماع في كل بلد تتوسط فيه، بطلب منه. هكذا كانت تجربتها مع لبنان في اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب الأهلية اللبنانية، وكذلك تدخلها اليوم لصالح الحكومة الشرعية في اليمن، بعد انقلاب الحوثيين واستيلائهم على السلطة بمساعدة إيرانية واضحة ومكشوفة.
ولعل في تصريحات وزير الخارجية السعودي عادل الجبير أثناء اللقاء الذي تم بينه وبين وزير الخارجية الألماني في الرياض، يوم الاثنين الماضي، ما يدل بوضوح على أن إيران ــ بالرغم من اتفاقها النووي مع الغرب ــ لا تزال تنتهج سياساتها التخريبية وتحتل الأراضي العربية في سوريا. فقد قال السيد عادل الجبير، وفقا لما نقلته إيلاف: (نحن حريصون على التصدي لأي تحركات إيرانية وسنقوم بكل ما نستطيع وبكل ما لدينا من قوة سياسية واقتصادية وعسكرية لحماية أراضينا وشعبنا(. ثم أضاف في تلك التصريحات بصريح العبارة أن على إيران: (الانسحاب من سوريا وعليها عدم مد السلاح لنظام بشار(
ما باتت السعودية على يقين تام منه: أن إيران في ظل نظام ولاية الفقيه، لن تترك المنطقة العربية بسلام، وأن أسلم مواجهة لمثل هذه السياسات هو الاستعداد لذلك بكافة السبيل، وقطع الطريق على سياساتها التخريبية في المنطقة.
لقد أصبحت السعودية اليوم أكثر قناعة من أي وقت مضى، ولاسيما بعد توقيع الاتفاق النووي الإيراني مع الغرب في يوليو الماضي، أن عليها أن ترتب أوراقها وفق استراتيجيات جديدة، وأن المدخل إلى تحقيق تلك الاستراتيجيات يقوم على فكرتي: التحالف العربي، والتضامن الإسلامي.
ولقد كانت دعوة مجلس الوزراء بقيادة الملك سلمان بن عبد العزيز خلال انعقاده يوم الاثنين الماضي واضحة جدا في أن المملكة لا تريد سوى الاستقرار والهدوء والرخاء في العالم الإسلامي، حيث دعا مجلس الوزراء السعودي ، بحسب ما أوردته إيلاف (إلى العمل الإسلامي المشترك وتنسيق الجهود المخلصة للدفاع عن مصالح الأمة الإسلامية وإنهاء ما تشهده من أزمات).
المنطقة العربية أصبحت اليوم، في ظل النتائج المرة للربيع العربي في حاجة إلى دولة لها قدرات وإمكانات المملكة العربية السعودية للاضطلاع بدور محوري يعزز السلم، والتعايش، ويقطع الطريق على كل الخطط التي تهدد أمن المنطقة العربية واستقرار بلدانها.
لذا تواجه المملكة العربية السعودية اليوم ملفات عديدة، وساخنة، محليا وخليجيا وعربيا وإقليميا. ومنذ أن تم الإعلان عن التحالف العربي الذي تبنى عملية عاصفة الحزم وما بعدها في اليمن، لا تزال المملكة بقيادتها للتحالف قادرة على تقديم المزيد من الاستراتيجيات التي تعزز العمل المشترك بين العرب والمسلمين في العالم الإسلامي.
إن مكانة المملكة ورمزيتها الدينية ومنزلتها في نفوس العرب والمسلمين، وما تتميز به من إمكانات اقتصادية وسياسية وإستراتيجية، أصبحت اليوم في مواجهة استحقاق الدور، والمطلب الذي عليها الاضطلاع به حيال مخططات إيران التخريبية، وإسرائيل في فلسطين ، وداعش، وهو أمر بات متعينا عليها في ظل الأوضاع المضطربة للمنطقة العربية.
&