يقولون إن الدول الكبرى قد غيرت مواقفها بشأن بشار الأسد باستثناء السعودية التي لا تزال تصر على رحيل فوري لرأس النظام السوري. لو قرأنا التصريحات الغربية بدقة، لن نجد ان عبارة& "تغيير المواقف" هو وصف دقيق لما حدث. الوصف الصحيح هو "تعديل المواقف". ذلك ان الهدف الأساسي والمتمثل في تنحي الأسد لا يزال قائما، لكن بدلا من أن يكون غير مضمون حالا، يمكن ان يكون مؤكدا لاحقا. ومثل هذا التعديل في المواقف يتماشى مع المعطيات الأخيرة للوجود الروسي في سوريا. كما يعكس مرونة تتطلبها السياسة التي هي فن الممكن.
في المقابل أخشى أن التشدد السعودي في اشتراط رحيل فوري للأسد، قد يجعلها تقف وحيدة في المجتمع الدولي. إنه عزل سياسي لن يخدم السعودية التي كانت دوما الحاضر الأكبر في قضايا المنطقة.
لغة الإعلام السعودي يجب ان تكون اكثر عقلانية. وقد كتبت في مناسبات كثيرة، بأن مبالغة هذا الإعلام في وصف ما يحدث من فضائع في سوريا وإن كان بعضه صحيحا فهو ليس جريرة النظام وحده، ذلك أن المعارضة السورية ذاتها، وفق تقارير منظمات حقوقية عديدة، ارتكبت جرائم حرب كما فعل النظام نفسه. لا أحد بريء إذا. وفي رأيي فإن المرصد الإعلامي السوري يفتقر الى الموضوعية، كما هي المعارضة السورية في الخارج، التي باتت اكثر انقساما من شظايا الإنفجارات في الميدان.
نحن والمعارضة والغرب نتهم روسيا بدعم النظام. نعم.. هي تفعل. لكن يجب ان نقر بأن لروسيا مخاوف يجب ان تؤخد بعين الإعتبار. وعلى رأسها ان سقوط النظام في سوريا سيقود الى فوضى تشعل جبهات دينية متطرفة حول روسيا هي في غنى عنها. بل ان حدوث مثل هذه الفوضى، سيؤذي السعودية ذاتها والغرب بالمثل. وعليه فمن الأفضل تبنى سياسة أكثر مرونة تقبل بما قبل به المجتمع الدولي الذي هو صاحب قرار أكبر في الشأن السوري.
قد يقول البعض ان أعظم مخاوف السعودية هو انتصار السياسة الإيرانية في سوريا إن بقي الأسد. ما يعني تطويق السعودية شمالا. وسأكرر ما قلته سابقا من أن سوريا ابعد ما تكون بعروبتها عن النفوذ الإيراني. نعم.. سوريا اليوم تعتمد بشكل كبير على إيران لكنها ليست تابعة لها، ولن تكون دولة بهذا العمق من العروبة تابعة لإيران. وإن كانت هذه الأخيرة وجدت لها موطن قدم في سوريا، فيجب أن نقر بأننا نتحمل جزءا كبيرا من الوزر. فقد بالغنا في خصومتنا مع النظام السوري منذ مقتل الحريري حتى دفعنا النظام الى أحضان إيران. ربما كانت سوريا متورطة في قضية مقتل الحريري. لكن هل يعقل ان يدفع شعب كامل، أمة كاملة، ثمن مقتل رجل واحد أيا كان قدره ومكانته؟
عندما اغتيل ولي عهد النمسا الأرشيدوق فرانز فرديناند وزوجته اشتعلت الحرب العالمية الأولى. ثم تلتها الثانية بجريرة الأولى. ولو كانت أوروبا تعلم ان هذا الإغتيال سيقود الى أكبر جحيم عسكري في التاريخ لغضت النظر عن الجريمة كلها.
لا أقول ان السكوت عن جريمة قتل واحدة هو أمر عادل، لكن ان يكون الثأر من أمة كاملة بسبب جريمة واحدة هو جريمة أيضا.
[email protected]
&
- آخر تحديث :
التعليقات