لم يتوقع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حتى في أسوء أحلامه أن تخرج طهران بذكاء يصعب توصيفه منتصرة في حوار استمر سنوات مع القوى الدولية بقيادة الولايات المتحدة حول برنامجها النووي.

صدمة نتيناهو أنه راهن بكل ما تملكه إسرائيل من تأثير عميق وقوي في صناعة مفاصل القرار السياسي في واشنطن وغيرها من دول أوروبا المشاركة في الحوار مع طهران ورغم كل ما فعله واستعمل فيه لوبيات الضغط اليهودي المؤثرة في الغرب لمنع الوصول إلى اتفاق، لكن رهاناته سقطت بالكامل أمام رغبة جادة لواشنطن وحلفائها بإنهاء ملف التوتر في العلاقة مع طهران وإعادة فتح صفحة قديمة جديدة يكون أساسها الدور الإيراني الفاعل والمؤثر في أمن واستقرار المنطقة.

تفاصيل الاتفاق التي أرضت كل الأطراف ستنعكس نتائجها سريعة على الأرض في إيران التي ستنهي حصاراً اقتصاديا قاسياً استمر لسنوات طويلة وعرقل كثيراً مشاريع التنمية وتطوير الاقتصاد والمجتمع الإيراني، وتحقيق قفزة قد تجعلها قريبة جداً من النموذج الاقتصادي لدول جنوب شرق أسيا المصنعة والمنتجة لتكنولوجيا وصناعات متطورة.

إسرائيل الخاسر الأكبر من الاتفاق تخرج بمظهر القوة التي فقدت تأثيرها على الفعل والتأثير السياسي في قضايا تعتبر أن موقفها وقرارها أساسي وملزم للدول الغربية ولواشنطن أساساً الحليف الإستراتيجي الأول في مواجهة ما تعتبره تهديداً لأمنها على مستوى دوائر التهديد المحلي والإقليمي والدولي والذي لا حدود جغرافية أو سياسية له لكنه يقف عند إحساس المؤسسة الأمنية الإسرائيلية بتضاؤل التهديد لهواجسها التي لا حدود لها.

الخوف الإسرائيلي من التهديد النووي الإيراني لم يكن السبب الوحيد لرفضها للاتفاق الذي أنهى ولمرحلة طويلة قادمة حلم طهران بامتلاك تكنولوجيا نووية لاستعمالات غير سلمية وفتح كل منشاتها النووية أمام التفتيش الدولي للتأكد من عدم وجود برامج نووية سرية، مشكلة إسرائيل أنها في الواقع الحالي لمنطقة الشرق الأوسط فقدت ذريعة وجود عدو يهدد أمنها ويمحى من الخارطة الدولة الصغيرة المسالمة في بحر العداء العربي والإسلامي.

الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة بنت أسباب وجودها على تهديدات الآخرين بتدميرها وكانت تستجدي المال والسلاح بنهج أعتمد الكثير من الذكاء في استغلال غباء العرب لتأكيد تلك الحقيقة، واليوم تواجه إسرائيل حقيقة أنها لا تواجه أعداء تود تدميرها والقضاء عليها بعد أن تكفلت عصابات الربيع العربي بتدمير الكثير من الدول العربية التي كانت إسرائيل تعتبرها تهدد وجودها.

واحدة من أكبر أزمات نتيناهو القادمة أن من كان يلوح بها كورقة تهدد أمن إسرائيل وتسعى لتدميرها ضاعت وفقدت مصداقيتها جراء بركات الربيع العربي حيث صار التحالف واضحاً بين إسرائيل وجماعات الإسلام الجهادي " جبهة النصرة وداعش " والتي تعمل عبر المناطق التي تسيطر عليها إسرائيل في الجولان المحتل لمحاربة النظام السوري وحلفائه وهذه المعادلة المقلوبة تجعل من حديث رئيس الوزراء الإسرائيلي عن تهديدات الإسلام المتطرف بتدمير إسرائيل والقضاء عليها نكتة سخيفة لا تستحق التعليق.

إسرائيل خسرت معركة مهمة ليست في صراعها مع إيران بل بتضاؤل دورها وأهميتها في منظور الولايات المتحدة والدول الغربية في استتباب الأمن والاستقرار والسلام الدوليين وحجمها الفاعل في ممارسة الضغط والابتزاز باعتبارها قاعدة متقدمة للديمقراطيات الغربية في العالم المتصحر.

العرب بشقيهم المؤيد والمعادي لطهران كانا خارج كل الحسابات في النصوص والهوامش في اتفاق فيينا ومن أغضبه الاتفاق تماما مثل الذي أرضاه لم يفهم النتائج والتبعات، ولكنهم جميعا سيشاركون في الاحتفال مثل الولد الأهبل الذي يرقص فرحا في حفل زفاف أمه، متمنيا لها ليلة حمراء سعيدة.

&