هاجم مفتي السعودية فيلم "رسول الله محمد" الذي ينتج في إيران. قال إنه "عمل مجوسي" و"تشويه للإسلام".
لم أر الفيلم، ولا أعلم ما هو مضمونه. وأخال المفتي نفسه مثل حالي. واتسائل كيف يمكن لهذا العمل ان يكون "مجوسي" و"معاد للإسلام" قبل ان نعرف ما هو مضمونه؟ فيلم "الرسالة" لمصطفى العقاد رحمه الله كان عن الرسول محمد عليه السلام. وقد تعرض الفيلم حينها لهجوم من السعودية حتى أوقف الملك الحسن الثاني تصوير الجزء الأخير منه في المغرب، فانتقل الى ليبيا. اليوم يتكرر الهجوم، مضافا اليه نعت "المجوسي".
حققت السينما الإيرانية نجاحات كبيرة على مستوى العالم. وقد يكون عمل "الرسول محمد" راقيا بما يشجع على رؤيته، ثم نقده او الإشادة به. بل قد ينفع الفيلم في إعطاء العالم صورة واضحة وحضارية عن الإسلام بعكس ما صنعه أبناء الإسلام من داعش والنصرة والقاعدة وبوكو حرام. وقد اثبتت الوقائع ان تأثير الأفلام على الناس اقوى سلاح وأمضاه. وفي رأيي انه كان حريا بالمفتي ان يتروى قبل إصدار فتواه على شيء لم يره ولا خبر مضمونه. بل أزيد ان موقف المفتى، وأنا احترم رأيه وان خالفته، أقول ان رأيه في رفض العمل، ومهاجمته لن يفيد الإسلام بقدر ما يقدم لأعداءه حجة تؤكد استعصاء عقلية بعض علماءه على التطور.
النقطة الثانية مسألة المجوس.
لماذا نربط كل ما هو إيراني بلفظة "المجوسي"؟
أفهم ان عامة الناس وجهلائهم يبالغون في سخاء شديد ربط إيران بكل ما هو مجوسي وأن لا هدف لهذه المجوسية سوى تدمير الإسلام والمسلمين. أنا لا أحب ايران، وسياساتها الغريبة في المنطقة، لكن يجب ان نكون موضوعيين أمام انفسنا وعقولنا كي نضع أنفسنا والآخر في إطاره الصحيح.
"المجوسية" التي نتهم ايران بها كل وقت وحين هي ليست ديانة بقدر ما هي فلسفة دينية. ولمن يقرأ عنها يجد ان شقها الديني هو توحيدي أكثر منه وثني. ولم تنكر أي من المراجع الكبرى تأثير هذه الديانة/الفلسفة على الأديان التوحيدية، بما فيها اليهودية والمسيحية والإسلام.
يقول الناس ان المجوس هم عبدة النار. وهذا خطأ كبير. فالمجوسية تقدس النار ولا تعبدها، ذلك ان النار هي العنصر الوحيد الذي لا يتسخ، وهي مع الماء تحققان الطهارة الروحية.
فوق كل هذا، وبافتراض أن المجوسية ديانة وثنية كافرة حاقدة... الخ، فعدد اتباعها في العالم كله لا يتجاوز 2 مليون إنسان أغلبهم ليس في إيران.
إن كنا امام حرب إعلامية مع إيران، فنحن بتشويه الحقائق نحارب انفسنا. لأن أفتك أسلحة يمكن ان يتسلح بها الإنسان هي المعرفة لا التضليل، خاصة على مستوى النخبة من المجتمع.
لذلك فاليسمح لي فضيلة الشيخ بأن أقول أنه مخطئ في فتواه، او متعجل بها في افضل الأحوال. فلست أرى العمل "مجوسيا" ولا مهددا للإسلام، بل قد تكون له فائدة نحن أحوج ما نكون إليها في هذا العصر الذي يصاب فيه الإسلام بنكسة تلو الأخرى على يد أبناءه من أقصى الأرض لأقصاها.
- آخر تحديث :
التعليقات