د. خليل حسن، سفير مملكة البحرين في اليابان

بعد التوقيع على الاتفاقية النووية بين الدول العظمى وايران، يستغرب المرء، لماذا عانى الشعب الإيراني هذه السنوات الطويلة من المقاطعة منذ عام 1979، إن كانت فعلا نية الجناح “المتطرف” في نظامها الثيوقراطي، استخدام التكنولوجية النووية سلميا؟ إلم يستطع حسم هذه الاتفاقية النووية من قبل عقود، لحماية الشعب الايراني من معاناته الطويلة؟ كما يتساءل الخبراء، ولماذا تصر إيران، حتى، على انتاج الطاقة النووية، وهي تمتلك احتياطي هائل من النفط والغاز الطبيعي؟ ألم تثبت حوادث الطاقة النووية في الولايات المتحدة، وروسيا، واليابان، بأن خطر انتاجها، لا يمكن للعقل البشري تصوره؟ ألم تقرر المانيا، مؤخرا، والتي تستورد معظم طاقتها من الخارج، بأن تبدأ العمل لوقف انتاج الطاقة النووية، وان توجهة امكانياتها العلمية والتكنولوجية والاقتصادية للطاقة، نحو تطوير انتاج الطاقة المتجددة الصديقة للبيئة؟ ألم يغني الخالق، جلة عظمته، ايران بكمية هائلة من منابع الطاقة الشمسية، وطاقة الانهار، وطاقة الرياح، بالاضافة لمدخرات الطاقة الاحفورية الهائلة؟ وما سيحدث في منطقة الخليج العربي، لو أن المفاعل النووي في بوشهر انفجر، بسبب زلازال شديد، لتتكرر ماسأة فيكوشيما اليابانية في منطقة الشرق الاوسط ؟ وهي هناك امكانيات في المنطقة للتعامل مع هذا الانفجار النووي، والذي سيلوث الهواء الذي نستنشقه، ومياه الخليج، بالسموم النووية المشعة، لتصبح مياءه غير صالح للتحلية، بل واسماكه غير صالحة للاستهلاك البشري أو الحيواني، ولعقود طويلة؟ هل المنطقة في حاجة للطاقة النووية، أو السلاح النووي، أم هي في حاجة للتنمية المستدامة، ليتوفر لشعوبها لقمة العيش الكريمة؟ ألم يعاني شعوب المنطقة دمارا شاسعا، من مغامرات "المتطرفين"، خلال العقود الاربعة الماضية؟ وفي هذه المرحلة من التقاطع الوجودي للشرق الاوسط، بين ايديولوجيات مفلسة، وثيوقراطيات طائفية متحاربة ومفتتة للبلدان، هل سيعي متطرفوا النظام الثيوقراطي الايراني، خطر الصراعات الطائفية المنتشرة في الشرق الاوسط، والتي قد تؤدي دمار شامل للمنطقة وانظمتها؟ أم حان الوقت لنضوج حمى الثورة الايرانية، بعد مرحلة الهذيان، التي قتلت، ودمرت الكثير، ومرحلة النقاهة التي يعاني فيها المعتدليين من حماقة ديكتاتورية المتطرفين، والتي تحتاج لمرحلة الشفاء الأبدي من السرطان الثوري الثيوقراطي المدمر؟ أم سيدفع ايران الاتفاق النووي لمغمارات جديدة في المنطقة، لتدافع عن الحكومات، والحركات الطائفية المتخلفة، والفاسدة؟ وهل موافقة الكونجرس الامريكي مهم لتنفيذ هذه الاتفاقية بحذافيرها؟ أم يمكن أن تحقق هذه الاتفاقية الدولية بدون دعم الكونجرس، والادارة، والقضاء الأمريكي؟ والسؤال المهم الاخير: ألم يمنع الدستور الايراني الحكومة الايرانية من التدخل في الشؤون الداخلية للدول الاخرى؟ وما هو الحل لهذه السرطان الثيوقراطي في منطقة الشرق الاوسط؟
ولتفهم الاجابة على هذه الأسئلة، لنتدارس عزيزي القارئ معا، مجموعة من المقالات التي صدرت في شهر يوليو الماضي في الصحافة العالمية والعربية. فقد شرح الاستاذ حسام الطائي بصحيفة ايلاف، طبيعة النظام الثيوقراطي الايراني، ليقول: "منذ قيام الثورة الايرانية، و تحول النظام الى جمهوري ديني، بقيادة الولي الفقيه، بدا السعي لتحول ايران الى جمهورية الدين الاسلامي، و ان تكون قائدة للامم الاسلامية لان ثورتها و حكومتها دينية، مع تحقيق الاهداف السياسية في التوسع و السيطرة. ففي الماضي كان الشاه يحاول بسط نفوذه على الدول العربية بالقوة العسكرية، والصداقة مع الغرب، وبعد سقوط نظامه، ورث نظام الولي الفقيه هذه النوايا، ولكن باضافة الطابع الديني، ليكون التدخل شرعيا، فظهرت ثلاث نظريات لحكم الولي الفقيه.. اولى النظريات هي “القومية الاسلامية” لمهدي بازركان، رئيس وزراء الحكومة المؤقتة بعد الثورة، فسعى لتأسيس حكومة موالية لسياسة السوق الاقتصادي العالمي، والنهوض بالبلاد، لتكون في مصف الدول المتقدمة.. ولكن الخميني و قيادته عارضوا هذه النظرية، لانها ابتعدت عن اهدافهم، فقرر بازركان وحكومته المؤقتة الاستقالة جماعيا."
اما النظرية الثانية فكانت للخميني وهي “تصدير الثورة” للقضاء على الحكومات "الجائرة" في كافة الدول الاسلامية و العربية.. مع دعم الجماعات المنشقة بالسلاح و المال.. وبسبب هذه النظرية التي امتزجت بسياسة التوسع و الاحتلال الديني، بدأت الاعتداءات والتدخلات في شؤون دول الجوار، فكانت احد اسباب الحرب العراقية الايرانية، التي اوقفت تصدير الثورة عند حدود ايران. اما النظرية الثالثة “ام القرى” لمحمد جواد لاريجاني.. و تنص على تحول ايران الى مركز الاسلام العالمي، وتشكيل امة اسلامية واحدة.. و جمعها تحت قيادة دولة “ام القرى ايران” و حكومة الولي الفقيه، التي تقدم الاسلام الصحيح، وتحافظ عليه لتقودها و تدافع عنها، ان نظرية ام القرى تعتمد على نظرية الخميني “تصدير الثورة”.. وتحمل هدفين الاول السيطرة السياسية عن طريق الاحتلال الديني و جعل الولي الفقيه هو “امير المؤمنين” الذي يحكم بسلطته الدينية كل الدول التابعة لام القرى متجاوزا كل الحدود الجغرافية، الهدف الثاني هو حماية ايران من القوى الدولية، ففي حال نشوب اي نزاع، تثور الحكومات والشعوب الموالية، ضد مصالح الدول المعادية لايران، و تقف ضد اي تدخل عسكري او سياسي، فتكون بذلك جيوش اضافية مستعدة للقتال لحماية المصالح الايرانية، والغريب ان نظرية ام القرى تتناقض مع المادة ١٥٤من الدستور و التي تنص على ان “جمهورية ايران لا تتدخل في الشؤون الداخلية للشعوب الاخرى”. وفي النهائية نجد ان النظريتان تصدير الثورة، و ام القرى، تستخدم الاسلام، لتغطيه اهداف ايران السياسية التوسعية.
&&بينما وضح الاستاذ انور عبد الرحمن، رئيس تحرير اخبار الخليج، في مقال وبعنوان، أيهـا القـادة.. اتحـدوا وتـحـدثـوا بـصــوت واحــد، الخلفية التاريخية للعقلية الايرانية، ليقول: "تاريخ إيران كله يمكن تلخيصه في أنه سلسلة متصلة من العنف، والمآسي، والغزوات، وسفك الدماء، والثورات، والدين والتشيع. بعبارة أخرى، إيران هي بلد التناقضات والمفارقات. إيران مثلا، تقول إنها بلد إسلامي، ولكن قوميتها الفارسية تأتي قبل الإسلام. والشعب الإيراني يعيش كشعب شيعي، لكنه يفكر كفرس وحسب. ويعتبر ملوك ما قبل الإسلام مثل كورش وقمبيز وداريوش هم عماد التاريخ الإيراني، ويمثلون بالنسبة إلى الإيرانيين أنصع صفحات التاريخ والماضي. حقيقة الأمر أن الإيرانيين ينظرون إلى تاريخهم الإسلامي، على اعتبار أنه يمثل هزيمة بحكم الأمر الواقع. ففي صلب قناعاتهم وتركيبتهم النفسية، يعتبرون أن الإسلام ألحق الهزيمة ببلادهم، وقضى على إمبراطوريتهم التي كانت، وهي الإمبراطورية التي يتحرقون شوقا إلى إعادتها. هذه الحالة العقلية والنفسية المتأصلة هي التي حكمت وجودهم المضطرب منذ قرون. إنها حالة اضطراب عقلي ونفسي، قادت إلى تضليلهم، ودفعتهم، إلى تجاهل واقع حياتهم اليومية، ومقتضياتها، وجعلتهم أسرى أيام بعيدة غابرة، ولت منذ زمن بعيد.. ولكن بقى الإيرانيين ممزقون بين الماضي والحاضر. وعلى الرغم من أن تلاوة القرآن طقس يومي في حياة الإيرانيين، فإن الشاهنامة (كتاب الملوك) هو الذي يهيمن على أحلامهم."
وفي ضوء ما ذكرناه، يمكن القول ببساطة إن أي اتفاق مع إيران لا يمكن أن يعالج مرض التوسع والعنصرية، الذي يفتك بهم. والذي حدث أن العالم الغربي، بقيادة الولايات المتحدة، قد ألقى بطوق نجاة لإيران، مدعين أن هذا سيقود إلى إعادة إدماجهم في المجتمع الدولي وعالم الإنسانية. لكن للأسف، هذه الوصفة الطبية الغربية، لن يكون لها من نتيجة إلا إعطاء الإيرانيين دفعة كبيرة، وتشجيعهم على المضي، قدما في سياساتهم العدوانية، وتدخلاتهم الإجرامية السافرة، في شئون الدول الأخرى. قبل أيام، أعلنت السلطات الأمنية في البحرين ضبط كميات كبيرة من الأسلحة والمتفجرات مصدرها إيران. وقبل يومين، شهدت البلاد عملية إرهابية باستخدام نفس النوعية من المتفجرات، استشهد فيها اثنان من رجال الأمن الأبرياء وجُرِح آخرون. ونتساءل هنا: ما الذي سوف تكتبه السفارات الغربية في البحرين عن هذه الجريمة الإرهابية وتنقله إلى حكوماتها؟ ونتساءل أيضا: هل هذه الحكومات الغربية تنصت حقا إلى ما يقوله مبعوثوها عن حقيقة الأوضاع في البحرين والمنطقة؟ أم أن المصالح الغربية مع إيران، والرغبة في جني أقصى قدر من المنافع، والحصول على العقود والصفقات له الأولوية المطلقة، ويطمس أي اعتبارات أخرى؟.. وفي ضوء هذا نتساءل: ألا تستطيع دول مجلس التعاون أن تدرك أن اتحادها أصبح ضرورة حتمية؟ نعم، آن الأوان لاتحاد دول مجلس التعاون وأن تخاطب الغرب وإيران بصوت واحد. إننا نقول لقادة مجلس التعاون: اتحدوا وخاطبوا العالم بصوت واحد.
كما كتب، اسرائيل زيف، الجنرال المتقاعد من جيش الدفاع الاسرائيلي، بصحيفة يديعوت احروتوت، مقالا بعنوان، اسرائيل فقط ستخسر من هزيمة أوباما، يقول فيه: "إضعاف الاتفاقية النووية، واهانة البيت الابيض، لن تساعد لوقف البرنامج النووي بأي شكل من الاشكال، ولكنه سيضعف فقط الدبلوماسية الامريكية في وقف ايران من دعم الارهاب، وتدخلاتها العميقة في استقرار الشرق الاوسط. لقد دعيت في الاسبوع الماضي، لمقابلة أعضاء الكونجرس لمناقشة الاتفاقية النووية، وقد اكتشفت بأنها في قمة الاولويات الامريكية، ولم يعد النقاش محدود في الكونجرس والبيت الابيض، بل امتد الى الشارع، والى المدن الاخرى الكبيرة، وبالاحتاجاجات والعرائض، المؤيدة، والمعارضة، بل ليشمل الاعلام بكامله... فمع ان نتينياهو معارض بشدة لهذه الاتفاقية، ولكن في رأيي، يجب أن تبقى الولايات المتحدة جزءا مهما من هذه الاتفاقية، لكي تعمل في الاشراف عليها، ومراقبة تنفيذ جميع بنودها، بل يجب إلا تترك هذه المسئولة للقوى الدولية الاخرى. ولكن مع كثرة الاسئلة العميقة في الحوار، هناك فهم امريكي واضح بانها ليست اتفاقية جيدة، ولكنها أقل، أسواء، الحلول الواقعية. ولو فرضنا من الناحية المهنية، بان 75% من بنود هذه الاتفاقية قد نفذت، واستمر التنفيذ لمدة 75% من المدة المحددة، ستكون هذه الاتفاقية افضل من أي شيئ اخر يمكن تحقيقه عمليا، بل حتى أفضل من الهجوم على المفاعلات النووية، والذي سيؤدي لزيادة اشعال المنطقة، مع تكملة مشروع السلاح النووي الايراني في وقت قصير..."
وفي الحقيقة بأن الاتفاقية في طريقها للتنفيذ، ولن يستطيع الكونجرس ايقافها، فالصين وروسيا واوروبا قد التزموا بها، والذي يمكن ان يحدث ان تكون الولايات المتحدة خارج هذه الاتفاقية، وهذا أسوء الخيارات. فيجب على الولايات المتحدة البقاء ضمن هذه الاتفاقية، للاشراف على تنفيذها بقدر الامكان، بدل تركها للقوى الدولية الاخرى، وخاصة بأن الدور التنفيذي لوكالة الطاقة النووية الدولية محدود، لذلك تحتاج للمساعدة الدولية، وخاصة من المخابرات والتكنولوجيات الامريكية للمراقبة. كما ان هناك حاجة للقيادة الامريكية القوية، لتوجه ايران نحو التنفيذ، وبدون مراوغة، وبدونها، ستبقى الوكالة الية فارغة القوة، والتنفيذ. فقد تعلمنا من كتب الاستراتيجيات، بأن الوظيفة الرئيسية للاهداف الدبلوماسية، هي في تحديد اي حرب يجب تجنبها، واي حرب يجب التنازل عنها، للتركيز على الحرب القادمة. فاضعاف الامل بالاتفاقية، واهانة البيت الابيض، لن تساعد في وقف الاتفاقية، بل ستضعف الدبلوماسية الامريكية من محاربة دعم ايران للارهاب، مع عمق تدخلاتها في الشرق الاوسط. كما أن على اسرائيل ان تتفهم بأنها لن تجني من هذه المعارضة اية فوائد، بل أنها ستخسر الكثير، فالانتصار المزعوم ضد الرئيس الامريكي له ثلاث طرق للهزيمة: أما ستخسر إسرائيل الاشراف الأمريكي على تنفيذ الاتفاقية النووية، مع تشجيع دبلومسية عدائية ضد اسرائيل، كما ستفتح نافذة للانتقام ضدها في واشنطون، فليس أمامكم أي خيار آخر. ويبقى السؤال لعزيزي القارئ: كيف ومتى سينتهي عام 1979 في الشرق الأوسط ؟ وما دور شعوب منطقة الشرق الاوسط لأنهاءه؟ ولنا لقاء.
&