&&&&&&&كتب توماس فريدمان، بصحيفة النويورك تايمز الدولية، في 30يوليو الماضي، مقال بعنوان، الشرق الاوسط حتى الان في عام 1979، يقول في مقدمته: "بدأت مهنتي كمراسل اجنبي ببيروت في عام 1979، ولم أعرف في ذلك الوقت بأن عام 1979 عام هام للاخبار الاجنبية.. بل بقى عام 1979 لمدة 36 سنة الماضية، والسؤال المهم عن الاتفاقية النووية الدولية، مع ايران: هل ستؤدي هذه الاتفاقية لتوقف حركة تاريخ عام 1979، لتضع المنطقة في مسار جديد، أم ستشحن توربينات عام 1979 من جديد، لكي تهز العالم بأكمله؟ ويبقى السؤال الثاني: ما الذي حدث في عام 1979؟"
وعرض الكاتب ما حدث في عام 1979، من احتلال الحرم المكي، من الزمرة الارهابية المتطرفة، كما تزامن ذلك الحدث مع الثورة الاسلامية الايرانية لعام 1979، التي جلبت اية الله الخميني للسلطة، والتي خلقت تنافس سني شيعي، لقيادة العالم الاسلامي. وترافقت ايضا بارتفاع حاد لاسعار النفط، والذي وفر ثراء كبير لتصدير التطرف الشيعي والسني. لذلك، يكرر الكاتب المصري محمود افندي، بأن: "الاسلام فقد فرامله في عام 1979." وغذى هذا التنافس الطائفي غزو السوفيت لافغانستان في نفس العام، والذي نبت حركات التطرف الجهادية، وفي النهاية "القاعدة" بذاتها. كما حدث انفجار هائل بالمحطة النووية الامريكية، في جزيرة الثلاثة اميال، والتي اوقفت بسببها الحكومة الامريكية بناء محطات الطاقة النووية، في الولايات المتحدة في نفس العام، مما أدى لاعتماد الولايات المتحدة على الطاقة الاحفورية بشكل كبير. كما ادت اختلاطات الثورة الاسلامية الايرانية، لقطع العلاقات الامريكية الايرانية، ونقلت ايران من دولة حليفة لاسرائيل، لدولة تريد القضاء على اسرائيل.
ولذلك يعتبر فريدمان الاتفاقية النووية الدولية الجديدة تغير استراتيجي كبير، والتي ستؤدي لانهاء المقاطعة ضد ايران، ولكن في نفس الوقت قد تشحن توربينات عام 1979، ببساطة، او قد تنهيها، وسيعتمد ذلك على عدة عوامل. فهل ستمكن الاتفاقية النووية المعتدليين في ايران، ام ستقوي المتطرفين، من جماعة الحرس الثوري؟ وسبب القلق، هو ان المعتدليين، لا يملكون السيطرة على البرامج النووية، او العسكرية، او الاستخبارية، في ايران.. والسبب للامل، هو ان الاغلبية الشعبية تأمل باندماج ايران مع قوى العالم، لتدفع بالمتشددين للقبول بالاتفاقية. ويعتقد الكاتب بأنه سيعتمد الكثير على استراتيجية المملكة العربية السعودية، في المرحلة القادمة. كما أن هناك عامل اخر، وهو ثورة الطاقة في الولايات المتحدة، ومدى ضغطها على اسعار النفط. فيستقرء الكاتب بأن نزول سعر برميل النفط الى 25 دولار، لمدة خمسة سنوات، سيغير الاصلاحات في ايران والسعودية، ليدفع بالحكومتين للاهتمام الاكثر بها.. وينهي الكاتب استنتاجاته بالقول: "السلاح النووي ليس الخطر الوحيد للمنطقة، بل هناك حاجة لايران والسعودية أن يعملا معا ليكون عام 2015 نهاية لعام 1979. وسيكون حلم جميل بان يستطيع الأثنان تحقيق ذلك، وفي نفس الوقت، هناك حقيقة واقعية، بان نتوقع دمار الاثنين، ان لم يحققوا ذلك الحلم."
كما كتب روبين رايت، بمجلة النيويوركر، في 27 يوليو الماضي مقالا بعنوان، ازمة متوسط حياة الثورة والاتفاق النووي، يقول في مقدمته: "فبعد أن وصلت الدبلوماسية مرحلتها النهائية للبرنامج النووي الايراني، في اوروبا، قمت بزيارة قبر، اية الله الخميني، منظر ثورة ايران لعام 1979، في طهران، والذي هو من أعظم الاضرحة في العالم، تراه من بعد اميال، وقد كانت تجرى فيه عمليات توسعة كبيرة. وقد حفظت الدولة على غرفة الاستقبال المفتوحه في بيت الامام بعد وفاته عام 1989، تكريما لتواضعه، ولكن التجديدات في قبره تبرز سقوف مقبقبة، ومغطاة بالموسايك، وبارتفاع طوابق عالية، واقواس ملحمة، مرصوع بلاطها بظلال من اللون الازرق. وفي الموت، جثة الخميني، محاطة ببناء عظيم، اضخم من قصور الملوك الفارسية، وقد ادين هذا الثراء الفاحش، المنافس لهليود، في الوقت الذي يعاني فيه احياء أيران من "فقر" لاذع. كما يوجد في المزار محطة للمترو، ويستمر المؤمنين في الزيارة، ولكن اخذت ارقام الزوار في النزول، كما انخفض الحماس الذي كان يدفع بالملايين للزيارة خلال الثورة. ففي زيارتي الاخيرة لاحظت في المكان الذي يحمل الالاف، وجود حوالي مائتي زائر، مع اثنين من السواح الهولنديين."
ويزور ميسم شهباني، الذي هو في 27 من عمره، وهو عامل في مصنع، ضريح الخميني، مع زوجته، مرة كل سنة، وعلق يقول: "في كل بلد هناك فرد مهم، ربما للولايات المتحدة الرئيس الاول، بينما هنا الخميني هو قائدنا." ويحب شهباني موسيقى البوب، وافلام كريستوفر نولان، ويفضل الاتفاق النووي مع الولايات المتحدة، وخاصة إذا تم رفع العقوبات، مع أي شيء اخر يحسن الاوضاع في ايران. كما احتفل في اليوم الثاني من وصولي الايرانيون بالاسراء والمعراج، بينما قضيت تلك الليلة مع بروفسورين ايرانيين، درسا في جامعتي كولمبيا وميشيغان، وذهبنا معا لمطعم مفتوح، وبعدها تمشينا في احد المنتزهات. وكانت الاف من البشر متواجدين في منتصف الليل، مع بعض الاطفال بدراجاتهم. وقد لاحظت مدى تغير ايران اليوم بعد الثورة، حينما كنت اخاف ان اسوق في الظلام في الماضي، فكانت توقف السيارات للتفتيش، للتأكد بأن المرأة التي في السيارة، هي قريبة للسائق. كما كانت الشرطة تدخل البيوت، للتأكد من عدم وجود حفلات شرب صاخبة، كما يراقبون الشوراع، باحثين عن أمرأة تستخدم أحمر الشفاة، أو تعرض ركبها للناظرين.
وقد عقب بروفيسور هاديان، استاذ العلوم& السياسية بجامعة طهران، على اوضاع إيران اليوم، فقال:"تحتاج فقط ان تذهب للمنتزهة، لتتتفهم وضعية الذهن الايراني اليوم. فالثورة في ازمة منتصف العمر، فما هي ازمة منتصف العمر؟" فيجيب بقوله: "هي أزمة تشعر فيها بان الشباب، والمثالية، قد انتهت عمرها. ومع ذلك فالثورة الايرانية لا تريد ان تتقبل بانها شاخت، ولن تحقق كل ما شائت، وبأن عليها أن تتكيف لتبقي وجودها."
وقد شبه في كتاب، تشريح الثورة (1938)، مؤرخ جامعة هارفرد، كرين برنتون، الثورة بالحمى. فالمرحلة الاولى منها، هي مرحلة الهذيان، حينما يقضي المتطرفون على النظام السابق، ويدمروه عن بكرة ابيه، بل يطهروا المتعاونين معه. وأما في المرحلة الثانية، يبدأ المجتمع بنقاهة طويلة، وعادة تحت سلطة ديكتاتورية، بينما تخفت الطاقة الدينية المجنونة. وتنتهي حمى الثورة في المرحلة الثالثة بالشفاء، والرجوع للحالة الطبيعية، وقد تضم هذه المرحلة بقايا الماضي، حينما تموت الشهوة الدينية للكمال، لتحافظ على القلة من المؤيدين.
فقد بدأت تشيخ الثورة الايرانية، فمعظم عناصرها في خمسينيات، وستينيات، وسبعينيات العمر، وسيتجاوز خامنائي 76. بينما معظم الثمانين مليون من الايرانيين هم تحت 35 من العمر، ومعظم الشباب الذين ولدوا بعد الثورة، لا يشاركون القيادة اولوياتها. وقد عبر عن ذلك الرئيس التنفيذي لشركة سرافا، السيد رحماني قائلا: "أنه السنامي، هذا الجيل بليغ، متعلم، ويعمل،& ولديه قوة استهلاكية، ولا يعتمد على احد، ولديه حدود متباينه من التفكير. كما أنه في هذه الايام، تصرف طاقات الشباب على الاستفادة العملية لتكنولوجيات القرن الحادي والعشرين، لتغير المجتمع الايراني، بدل حوارات الدولة الاسلامية السابقة. فاكثر من ثلث السكان يستخدمون الانترنت كما ان التلفون شائع ايضا..&
وقد نحتاج عزيزي القارئ هنا لوقفة للتأمل، لكي لا نحول الثيوقراطية الفارسية الفاشلة، "لبعبع" إسرائيلي جديد. فقد حول الاعلام الشرق اوسطي، خلال الخمسة قرون الماضية، الدولة العبرية المتناهية في الصغر، على خارطة العالم، إلى قوة زائفة جبارة، وبفضل القوى العسكرية الغربية، وضعف مجتمعاتنا الشرق اوسطية. وقد عبر عن ذلك مقال للاخت الفاضلة، احلام كرم، حيث كتبت بصحيفة الايلاف الالكترونية، في شهر يوليو الماضي، تقول: "تغلبت الواقعية على الأطماع السياسية في المفاوضات النووية.. إضافة إلى وعي كلا الطرفين الأميركي والإيراني بقوة وقدرة الآخر.. و طغى الإحترام لكرامة الشعوب على أي تعارض في الشخصيات وإختلاف آراء.. كلاهما إعترف بالواقع الدولي الجديد.. وأنه لن يستطيع العيش وحده في هذا العالم... وأن المصالح متبادلة.. والأهداف في القضاء على داعش غير متعارضه.. آن الأوان لإنسان منطقة الشرق اوسطية أن يتمتع بهذا السلام.. وللدول العربية بالتحديد أخذ زمام المبادرة، و الخروج من عباءة الخوف، بوعي، وحذر. نعم ستبقى شهية السلطة في إيران، للقيادة، وللهيمنة، مفتوحة، وقوية. ولكن ما سيحجم هذه الشهية، هو تطلع الشعب الإيراني إلى الحياة، والعيش، والتعايش.. فالشعب الايراني هو الذي قال كلمته في المظاهرات التي نددت بالحكومة، خاصة خلال حكم أحمد نجادي، حين رفع المتظاهرون شعارات، لانريد الطاقة النووية، وطالبوا بوقف الدعم السوري..
نعم هي كلمة الشعب الإيراني، الذي قاسى من العزله، والتضخم، وفقدان العملة الإيرانية لقيمتها، بسبب العقوبات الدولية، والحصار الصارم المفروض على إيران، وهو الذي ربما يستطيع فرض رؤيته من خلال وصول التيار الإصلاحي.. خاصة وبعد فشل الرؤية الخمينية المتشددة، والتي كانت أولويتها تمتع إيران بالهيمنة والتمدد الإقليمي... وعليه فهناك طريقان، فإما تغيير الكوادر السياسية المتشددة، مع وصول الإصلاحيين، او التوافق من القيادة الحالية، وتغيير اولوياتها الخمينية.. نعم أؤكد ما قاله أحد المعلقين في مقالتي السابقة إيران قامت (ولا تزال ) بالتخريب المتعمد، لأمن دول عربية عديدة... وهنا يأتي دور الدول العربية في إتخاذ موقف واحد، وموحد، في تفاوضهم وعلاقتهم معها.. ايران مراوغة ولكن "الخوف" منها يشل قدراتنا.. هناك مسؤولية الدول العربية، بسد شهية إيران، وطموحها، في التوسع، والتمدد الإقليمي... بسد الثغرات الموجودة في أنظمتها، مع الإصلاح السياسي.. وتعاملها الصادق مع ملفات الفساد.. وإرساء الديمقراطية.... والأهم تعزيز مبدأ المواطنة، والعدالة، مع جميع مواطنيها، وجعل حقوق الإنسان العالمية، هي ما ينير دساتيرها...ومن يدري.. فربما تكون الفرصة الأخيرة لحياة شعوب المنطقة العربية.. لبناء شرق اوسط جديد.. نعم أستطيع تفهّم خوف وشك المنطقة العربية من صعود النجم الإيراني.. ولكن آن الأوان لتحجيم هذا الخوف.. والخروج من شلله.. هناك قيادات عربية دولية لا ينقصها الخبرة والوعي العالمي بقضايا المنطقة.. والمستجدات العالمية الجديدة.. وقضايا العصر، وتستطيع التعامل مع إيران على قدم المساواة.. وتستطيع التفاوض لما فيه مصلحة الإنسان العربي.. وليس مصلحة أي نظام تتعارض أهدافه مع مصلحة مواطنية. ويبقى السؤال للقارئ العزيز: هل تتوحد جهود دول الخليج العربي، وباقي الدول العربية لانهاء عام 1979، وذلك بحكمة توحيد "الحزم" في التعامل مع أيران، ما بعد الاتفاق النووي؟ ولنا لقاء.

د. خليل حسن، سفير مملكة البحرين في اليابان
&