الأحداث الكبرى في التاريخ لا يصح ان نتخيل انها تحدث نتيجة عمل واحد او شخص واحد او حزب واحد ولكنها دائماً وأبدا تحدث نتيجة لأسباب متعددة وأحيانا معقدة، فلا يصح مثلا ان نقول ان مذابح النازية وتهورها كان سببها هتلر فقط ونغفل الأسباب التي أدت الى ظهور هتلر وشعبيته الكاسحة وسط الشعب الألماني، ولا يصح ان نقول ان عبد الناصر فقط كان هو السبب الوحيد وراء هزيمة ١٩٦٧، او نلوم اسرائيل عن كل البلاوي التي تحدث في عالمنا العربي الجميل ، يجب ان نحلل الأحداث الكبرى من كل جوانبها، وهذا هو ما احاول عمله بموضوعية تامة لتحليل ظاهرة الاٍرهاب ومحاولة إيجاد حلول مبتكرة غير الحلول الأمنية والعسكرية، ونحن امام ظاهرة تاريخية كبرى قد تكون الأكبر في العصر الحديث منذ نهاية الحرب الثانية وقد تستمر معنا هذه الظاهرة طوال القرن الواحد والعشرين لان تراكماتها تمتد لمئات السنين، وانا امامي اكثر من عشرة مقالات حتى انتهي من تلك السلسلة والتي أرجو ان أطبعها في كتاب باللغتين العربية والإنجليزية لفائدة الجميع، وظاهرة الاٍرهاب الاسلامي تشغل كل العالم الان وحوادث الاٍرهاب أصبحت يومية بحيث تعودنا عليها وأصبحت احيانا تنشر في الصفحات الداخلية، والتعود على اخبار الاٍرهاب وعلى عدد ضحاياه هو امر في منتهى الخطورة وقد يدفع المسئولين عن محاربة الاٍرهاب حكومات وشعوبا الى التراخى وتتعود عليه مثلما نتعود على حوادث المرور اليومية والتي يزيد قتلاها عن قتلى الاٍرهاب بكثير! لذلك اريد من السادة القرّاء التحلي بالصبر حتى نهاية سلسلة المقالات والموضوع اخطر بكثير من حلقات الردح الدينية والتي أراها دائماً في تعليقات السادة القرّاء، والارهاب كما نرى لا يفرق بين مسلم وغير مسلم، وكلنا في نفس القارب فإما ان نسبح سويا او نغرق سويا في مستنقع الاٍرهاب ، لذا وجب التنويه، واعتذر& للسادة القرّاء والذين تعودوا مني المقالات الساخرة، لان الاٍرهاب موضوع جد كل الجد وخاصة بعد ان اصبح له دولة على اجزاء من العراق وسوريا. وما لم نتكاتف جميعا لهزيمة التطرّف والارهاب فان دولة داعش الإرهابية ستمتد وسينضم اليها الملايين فالانتصار له مليون أب اما الهزيمة فهي دائماً يتيمة!!

....
&الذين رفعوا شعار "الاسلام هو الحل" لم يرفعوه في أمريكا او الصين او البرازيل او اي بلد غير إسلامي، ولكنهم رفعوه في مصر بلد المائة& الف مأذنة وبلد الأزهر والبلد التي خرج منها أفضل شيوخ وقراء القران وأفضل الكتب والابحاث عن الاسلام وتاريخه، والبلد التي اخرجت كل انواع الاسلام المعتدل والوسطي والمتطرف والنص نص والمتساهل، البلد التي اخرجت حسن البنّا وسيد قطب، وأخرجت أيمن الظواهري وعبود الزمر والاسلامبولي وأخرجت طه حسن والعقاد والشعراوي وأخرجت الشيخ محمد عبده، وكان شعارا غريبا وبدا وكان أغلبية& المصريون قد تَرَكُوا دين الاسلام الى دين اخر لذا وجب إعادتهم للدين بان نهتف بان "الاسلام هو الحل" وهو بالفعل شعار جذاب وكذاب مثل معظم الشعارات، الاسلام هو حل ايه بالضبط؟؟ هل تم حل مشكلة البطالة بالإسلام ؟؟ الإجابة لا ، بدليل ان نسب البطالة في البلاد الاسلامية هي الأعلى في العالم، هل تم حل مشكلات الفقر؟؟ الإجابة لا ، بدليل ان نسب من هم تحت خط الفقر في العالم الاسلامي هي الأعلى في العالم؟؟ هل تم رفع مستوى التعليم بالإسلام ؟؟ الإجابة لا ، بدليل ان البلاد الاسلامية هي من أدنى البلاد في انخفاض مستوى التعليم في العالم. هل تم حل مشكلة الاٍرهاب بالإسلام؟؟ الإجابة بالطبع لا ، فالبلاد الاسلامية ممكن ان تحصل على جائزة نوبل في الاٍرهاب ويقتل الارهابيون المسلمون من أبناء دينهم ومن أبناء اوطانهم أضعاف ما يقتلون من اعداءهم.
لذا وجب علينا ان نبحث عن حلول حقيقية لمشاكل حقيقية، وليس عن حلول وهمية لمشاكل وهمية، والذين يتصورون ان هدفهم في الحياة هو اعادة الخلافة الاسلامية يبحثون عن هدف وهمي ويسعون الى هذا الهدف الوهمي بحل وهمي الا وهو "الاسلام هو الحل" والذين يسعون الى تطبيق الشريعة الاسلامية في القرن الواحد والعشرين كما كانت تطبق في القرن السادس الميلادي هم يبحثون عن وهم لان الزمن لن يرجع الى الوراء أبدا لا بداعش ولا بالقاعدة ولا بالاخوان قادرون على اعادة عقارب الزمن للوراء حتى لو استخدموا شعار "الاسلام هو الحل"
مشاكلنا الحقيقية تتمثل في الفقر والجهل والمرض والفساد ، هذه مشاكل لن يحلها الاسلام او المسيحية او اليهودية ولكن يحلها العلم والتخطيط السليم والتنمية الاقتصادية والتنمية البشرية.
كيف يمكن ان نقاوم التطرّف والارهاب بواسطة التنمية الاقتصادية والتنمية البشرية؟ الإجابة ببساطة هي انظر حولك وحول العالم فسوف ترى ان البلاد التي نجحت في التنمية وزيادة معدلات النمو الاقتصادي انخفضت فيها معدلات الجريمة والارهاب، لن نذهب بعيدا انظر الى دبي والتي اعتبرها واحدة من اكثر قصص النجاح في العالم، كانت دبي من ثلاثين سنة او أربعين سنة قطعة ارض من الصحراء على الخليج ولكن بالتخطيط المتأني والتنفيذ السريع تحولت دبي الى مركز تجاري وسياحي هام على مستوى العالم، بها واحد من اكبر الموانئ في العالم، وبها اكثر المطارات ازدحاما في العالم وبها اعلى ناطحة سحاب في العالم وبها اكبر مركز تجاري في العالم واكبر مركز مؤتمرات في العالم، والمسألة ليست مجرد مباني عالية او مباني ضخمة ولكن السر في التخطيط وحسن الادارة واستمرار دبي في كونها نقطة جذب دليل على نجاح التخطيط والتنمية، وكما نعرف فان النجاح يجذب راس المال ويجذب الخبرات لذلك نقلت العديد من الشركات العالمية مراكزها الرئيسية في الشرق الأوسط الى دبي، وعلاوة على الجانب الاقتصادي فهناك الجانب الاجتماعي، فأنت تجد ان دبي بانفتاحها على العالم أصبحت مركز طرد للتطرف وأصبحت تجذب مختلف الجنسيات للعمل بها ويتعايشون معا في تناغم جميل بدون تطرف فأنت من الممكن ان تسير على شواطيء دبي وتشاهد فتاة عربية ترتدي الحجاب والعباءة جنبا الى جنب الى فتاة أوروبية ترتدي البكيني من بدون اي توتر او حساسيات لذلك لم يكن غريبا انه يعمل في دبي حاليا اكثر من مائة جنسية مختلفة واستطاعت دبي الانتصار على التطرّف والارهاب بالتنمية والتخطيط في منطقة موبوءة ومحاطة بالتطرف والارهاب من كل جانب ولكنها نجت من فيروس الاٍرهاب لانها استعانت بلقاح التنمية، وأصبحت نموذجا يجب ان تتبعه كل الدول التي تعاني من التطرّف والارهاب، بالمناسبة دبي لمن لا يعرف هي في الأساس بلد إسلامي، وحتى بعض المتطرفين الذين يذهبون للعمل في دبي يختشون على دمهم ويصبحون اقل تطرفا لأنهم ينشغلون بالعمل والإنتاج وتربية اطفالهم والاستمتاع بالحياة والتي لم تمنعهم من تأدية شعائر دينهم.
لذلك فاني ارى ان التنمية هي الحل لان التنمية والانتعاش الاقتصادي ترفع من مستوى المواطن وتشعره بقيمته في الحياة وتبعد عنه اوهام العظمة التاريخية والتطرف والارهاب.

[email protected]
&