سيبدو عنوان المقالة في اللحظة الأولى أنّه غير مفهوم أو لا واقعية له، فما علاقة هذه المدن الثلاثة؟ إثنتان مدينتان تركيتان مشهورتان عربيا وعالميا، والثالثة مدينة فلسطينية عربية إسلامية لها مكانتها وقداستها رغم احتلالها منذ 68 عاما أي قرابة سبعة عقود، إذ يكفي هذه المدينة تبريك الله تعالى لمسجدها "المسجد الأقصى" وما حوله في قراءة مفتوحة تتسع لأفق واسع من المكان على امتداده في كافة الجهات (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ ).وما دام الأمر هكذا فما دخل أو علاقة مدينتي إسطنبول وقونية؟
إسطنبول..تاريخ.. شعب.. وحكايات
زرت مدينة إسطنبول أول مرة في نهاية عام 2001 شهورا قليلة بعد تأسيس "حزب العدالة والتنمية " ذي الخلفية الإسلامية المعتدلة حيث تأسس الحزب في أغسطس 2001 من مجموعة من النواب الذين كانوا أعضاءا في "حزب الفضيلة الإسلامي" برئاسة "نجم الدين أربكان" وتمّ حلّه في يونيو 2001 بقرار من محكمة الدستور التركية. وبعد مرور أقل من عام تمكن "حزب العدالة والتنمية " من الفوز في الانتخابات البرلمانية التركية مما أهلّه لتشكيل الحكومة، وما زال في هذا الموقع حتى الآن أي طوال قرابة 13 عاما، حيث يستعد وبقية الأحزاب التركية لإنتخابات برلمانية في الحادي والثلاثين من مايو 2015 . و من أهم إنجازات الحزب في الأعوام التي تلت توليه السلطة، إنهاء مرحلة الانقلابات والعسكر، حيث كان العسكر يسيّرون بلادا وتاريخا وأكثر من سبعين مليونا من الشعب التركي حسب أهوائهم وارتباطاتهم العسكرية التي لا داعي التفصيل فيها للقارىء العربي الذي عاش وما يزال في العديد من الأقطار مرحلة الانقلابات والعسكر الذين يحكم بعضهم عائليا البلاد والعباد منذ 45 عاما من خلال شخصين فقط الوالد والولد الذي يقتل ويدمّر وصولا لتوريث ابنه الطفل الآن كما ورثّه والده من خلال تغيير الدستور حسب مقاسه في العمر...وغير هذا القطر العديد من الأقطار العربية ما زالت محكومة بانقلابات تصادر الحرية والكرامة وأبسط حقوق الإنسان.
ومنذ أيام زرت مدينة إسطنبول للمرة الثالثة خلال حكم حزب العدالة والتنمية الذي يرأسه الان وزير الخارجية التركي السابق "أحمد داود أوغلو" ، خلفا لرئيس الوزراء الحالي "رجب طيب أردوغان". خلال هذه السنوات القليلة من حكم حزب العدالة والتنمية تغيرت مدينة إسطنبول وعموم تركيا من خلال نهضة إقتصادية لا أعتقد أنّ كثيرا من الدول حققتها في هكذا سنوات قليلة. ويكفي التذكير بنقطتين مهمتين ربما لا يصدقها البعض وهما: كان الدولار الأمريكي يساوي مليون ليرة تركية، واليوم هذا الدولار يساوي أقل من ثلاثة ليرات. وإذا ذهبت لسوق الخضار مثلا لتشتري كيلو خضراوات ما، يقول لك البائع: الكيلو بثلاثة ملايين ليرة، ثم يستدرك قائلا: أقصد ثلاثة ليرات. والإنجاز الثاني هو ما أعلن عنه رئيس الوزراء التركي منذ أيام قليلة حول إنتهاء تركيا بشكل كامل من تسديد كافة الديون المستحقة عليها لصندوق النقد الدولي حيث تمّ تحويل آخر دفعة من الديون للصندوق ومقدارها 412 مليون دولارا، وهي آخر كمية ديون كانت عام 2002 في بداية حكم حزب العدالة والتنمية 16 مليار دولار. ويعلن رئيس الوزراء أردوغان أنّ تركيا الآن في وضع اقتصادي يسمح لها بسهولة دعم صندوق النقد الدولي بدلا من الإستدانة منها، حيث وضعت هذه النهضة الاقتصادية الكبيرة تركيا ضمن مجموعة العشرين الأقوى اقتصاديا بين كافة دول العالم.
ومن إسطنبول إلى "قونية" مدينة جلال الدين الرومي،
بحثا عن قواعد عشقه الأربعين حيث تشعر وأنت تسير في شوارع وأزقة هذه المدينة بأنّ جلال الدين الرومي يتجول أمامك وخلفك في شوارع وأزقة هذه المدينة التي عرفته وعرفها ودفن حيث تحول قبره إلى مزار عالمي يؤمه كل الذين أحبّوا وعشقوا طريقة مولانا في الحياة حيث الحب والإنسانية ولغة الروح بعيدا عن لغة الجسد، وقد أصبح مصطلحا عالميا " الصوفيية المولوية" نسبة لمولانا جلال الدين الرومي حيث انتشرت رقصات أتباعة الدائرية حيث الالتفاف الدائري حول دائرة الحب والعشق التي من الصعب تحقيق نسبة منها في عالم المادة والجسد اليوم.
ويقودك عشق الرومي من إسطنبول إلى القدس،
حيث أسّس الشيخ " رائد صلاح" رئيس الحركة الإسلامية في أراضي 1948 الفلسطينية المحتلة، مشروعا أطلق عليه " وقف الأمة" وذلك خلال تسلمه جائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام عام 2013 ميلادية، وتمّ انشاء الوقف في الجمهورية التركية لخدمة مشاريع القدس والمسجد الأقصى المبارك حيث يسعى الاحتلال الصهيوني لتهويد كل ما يستطيع من التاريخ الإسلامي في القدس خاصة. وقد أصبح المشروع رسميا في مدينة إسطنبول حيث يخضع لكافة الضوابط القانونية والإدارية من قبل محكمة الحقوق الإبتدائية التركية. تزور مقر المشروع تدهشك غيرة القائمين عليه ومدى إلمامهم بالمخاطر التي تتعرض لها مدينة القدس ومقدساتها الإسلامية. يحدثك الشيخ "مصطفى نزار دمرجي" رئيس مجلس إدارة الوقف عن مشاريع الوقف ومنها نقل المصلين للمسجد الأقصى ومصطبات الدراسة وغيرها فتشعر أنّ الشيخ ينقلك روحيا لمدينة القدس. وتتحدث مع الشيخ " محمد العمري " متولي الوقف فيتنقل بك من بيروت إلى القدس إلى عواصم أخرى وتبقى القدس محطته الأولى والأخيرة. حقيقة للغيورين على القدس ومستقبلها عليهم التوجه لهذا المشروع لأنّه يقودهم خطوات حثيثة نحو القدس والمسجد الأقصى. إنّ مشاريع الاحتلال الصهيوني خاصة الاستيطان ومصادرة& آثارنا الإسلامية في فلسطين المحتلة لا يمكن مواجهتها إلا بمشاريع مماثلة..لذلك فالنداء الإنساني هو: أين أثرياء العرب من دعم هكذا مشاريع تخصّ وقف الأمة لمواجهة مشاريع هدفها محو أية أوقاف للأمة، وليتهم يتذكرون المليارات التي يرسلها أثرياء اليهود لدعم مشاريع الاحتلال...عجيب ومثير للدهشة أن تذهب إلى مدينة إسطنبول لتجد مدينة القدس في انتظارك صارخة: اين أنتم يا عرب..يا مسلمين..أنا في خطر!!!!.
www.drabumatar.com
&
التعليقات