عندما راودت «نصر المذكور»، عامل شاه إيران على البحرين في العهد الصفوي البائد - قبل ما يزيد على ثلاثمائة عام - الأماني الباطلة في خروجه هو وجيشه متجهاً نحو الزبارة (منطقة قطرية ساحلية قريبة جداً من البحرين، شهدت أحداث معركة الزبارة – آتية الذكر - في أواخر القرن الثامن عشر، وكانت تسكنها وتحكمها عائلة آل خليفة – العائلة الحاكمة في البحرين اليوم - قبل فتح البحرين) لملاقاة المجاهد المظفر الشيخ أحمد الفاتح (هو الشيخ أحمد بن محمد آل خليفة، لقِّب بالفاتح لقيامه بفتح البحرين في أعقاب معركة الزبارة، وهو الذي أعاد الحكم العربي فيها بعد سنوات من الاستعمار الصفوي)، كان الفاتح والقلة ممن معه يستعدون للمعركة متدرعين بالأكفان – بأمرٍ من الفاتح - موصين من بقى، بقتل النساء في حال الهزيمة لئلا يقعن سبايا في يد العدو الغاشم، ولسان الحال قائل:&
لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى
حتى يراق على جوانبه الدمُ
وخرج الفاتح وجماعته القلة لأرض المعركة متدرعين بأكفانهم ودأبهم إحدى الحسنيين، إما النصر أو الشهادة، والتحم الجمعان فكان النصر المؤزّر من نصيب الفاتح وجماعته، مصداقاً لقول الله عز وجل "كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين". (ويُقال بأنه حتى فترة قريبة كانت بقايا سفن نصر المذكور التي شاركت في معركة الزبارة تقبع أسفل قاع البحر المحيط بالزبارة كأطلال شاهدة على مصير المعتدي). وعندما ظفر الفاتح بنصر المذكور (الذي أقسم قبل المعركة بأنه في حال نصره على الفاتح سيعمل على إذلاله ورجال قبيلته وسبي نسائهم، وهو مما وصل علمه للفاتح)، قابل الإساءة بالإحسان، فاعطى الفسحة للمذكور بحمل أمواله وأهله معززين مكرمين على سفينة أوصلتهم إلى بر فارس. وهي نفسها الأخلاق العربية الأصيلة التي استفتح بها الشيخ أحمد حكمه على البحرين:
فتحٌ بالخُلقِ لا فتحٌ بالعضبِ
سَجّلَ التاريخُ للفاتحِ العربي
&فلم يعتدي على الآمن أو يقتل أو يصلب المخالف، والشاهد في تأمل حجم الاعدامات في هذه الجزيرة الصغيرة منذ عهد الفاتح حتى يومنا هذا – التي لا تكاد تأتي بعدد أصابع اليد - مقارنة بالآلاف ممن قُتلوا وصُلِّبوا منذ قيام الحكم الصفوي ووصولاً – وما زالت الانتهاكات الانسانية - إلى إيران خامنئي الذي فاق حتى "كسرى" تجبراً ودكتاتورية، ففي حين كان كسرى يمتلك زمام الحكم السياسي فقط نجد أن خامنئي يمتلك وحده جميع السلطات السياسية والدينية!، وما رئيس الجمهورية فيها سوى تابع مطيع لأمر المرشد، وهو أساساً من يقوم بمباركة مرشحي الرئاسة والذين في المجمل يكونون من جملة "موبذاناته"! بما يعني أن إيران ذات طابع حكم "ديموخامنئي" شمولي!&
أردت من الإلماع إلى قصة الفاتح – التي للأسف تُعد وسيرته مغيّبة عن الكثير من مواطني مملكة البحرين وبخاصة عن طلبة المدارس – أن أقول باختصار ورداً على التدخلات الإيرانية السافرة المتكررة – سواء عبر تصريحات المسؤولين الإيرانيين أو عبر تحريض طابورها الخامس في البحرين – والتي كان آخرها تصريح "المُضِل الأعلى" خامنئي.. نعم سنعيد التاريخ إن اقتضى الأمر وسنرتدي الأكفان ضد أعداء الوطن في الداخل والخارج الذين لا يريدون به خيراً وخاصة ذوي أضغاث الأحلام الفارسية والخلايا البكتيرية – التي تأتي بحجم وشكل البشر! - ممن أرادوا ويريدون المساس بالوحدة الوطنية والنخر في أرضية البحرين الصلبة. ألم تعي الدرس باكراً يا إيران عندما أعلنها الشعب البحريني المسلم العربي، سُنته وشيعته وبكامل أطيافه، إبان الاستقلال من المستعمر، بأن البحرين عربية وللعرب (لمن لا يعلم، فقد أجرت الأمم المتحدة في السبعينيات استفتاءً شعبياً في البحرين على إثر مطالبات ضمها من قبل شاه إيران حينها لحكمه إبان استقلال البحرين من المستعمر)، فلماذا هذا العناد وناركم تلك غدت رماد؟! لكِ يا إيران أن تكفري بهذا وبما أقرّه الدين والعرف من مبادئ التعايش السلمي بين الدول وحُسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول ليس فقط في البحرين بل وباقي دول المنطقة، ولكن فليبقى فيكِ من صفة (الإسلامية) ما يصدق ويؤمن بقول من لا ينطق عن الهوى، محمد عليه الصلاة والسلام: «لا كسرى بعد كسرى»!، وفي هذا الحديث الشريف أيضاً رد على ما تردد مؤخراً عبر وسائل الاعلام من نصب إيران لتمثالٍ لكسرى على ضفاف الخليج العربي!.. أكرر.. الخليج العربي!&
هذا كلام العبد الفقير لله المُحب لوطنه – وما خُفي أعظم - الذي لا يريد عليه جزاءً ولا شكورا، والذي خرج فيه قلمي عن المألوف عنه في إيلاف، وفي حب الوطن نتخطى كل مألوف. وتحية واجبة ورفعة عقال هنا لمنسوبي كافة الأجهزة الأمنية البحرينية.. العيون الساهرة لكي ننام ونصحو على وطن أبيٍّ شجاع. وأنا اكتب هذا المقال يعيش وطني حالة من الحزن والحداد على فقده لاثنين من ابنائه رجال الأمن البواسل ممن قضوا نحبهم – وما بدّلوا تبديلا – في التفجير الارهابي الغادر الحقير قبل أيام في "منطقة سترة" بالبحرين، بعد استهداف شرذمة ميليشية إرهابية شيعية متطرفة – لا تمُت للدين أو للمذهب أو للمواطنة أو للانسانية بأية صلة – لحافلة كانت تُقل أفراداً من الشرطة البحرينية. رحم الله من قضى منهم وتقبلهم عنده من الشهداء، وشفى الله المُصاب منهم. وللعلم فقد تزامن هذا التفجير الارهابي الدنيء مع تصريحات خامنئي التحريضية الأخيرة ضد البحرين! وفهم القارئ يكفي!
بجانب ما ذُكر، أقول ختاماً:&
قل للفرس أحفاد كسرى
قد دُكّ إيوانكمُ البائدُ
فإن عدتم لها عدنا
إن مضى خالدٌ منا خالدُ
وأخاطب أيضاً من أضلّهم في البحرين "سامري إيران"، تأملوا جيداً قول الكاتب المصري الثوري القدير"العم جلال عامر" رحمه الله، والذين لن تبلغوا مثقال ذرةٍ من ثوريته ضد نظام الحكم أو حبه لوطنه، فكراً أو عملاً:
"نصيحة أخ.. لا تقف مع ميليشيا ضد وطنك حتى لو كان الوطن مجرد مكان ننام على رصيفه ليلاً".
&
التعليقات