في البداية نود أن نؤكد:

إذا كانت غالبية التقارير الأوربية تتتنبأ أن تتناول القمة السعودية الأمريكية التى ستبدأ يوم الجمعة القادم ( 4 سبتمبر ) بين الملك سلمان بن عبد العزيز والرئيس باراك أوباما معظم الملفات والقضايا التى تهم الطرفين علي مستوي منطقتنا العربية، فإن بعضها لا يتوقع أن يتحقق من ورائها – الي القمة - الكثير!! وبعضها الأخر يعتبرها تحصيل حاصل لا طائل من وراءه، لأن إدارة اوباما " إلي ذهاب بلا عودة " ومن مصلحتها أن لا تورث الإدارة التي ستنتخب في نوفمبر 2016 سواء كانت ديموقراطية أو جمهورية ملفات يشهد العالم أنها فشلت في إيجاد حلول لها علي إمتداد السنوات الأربع الأخيرة لتوليها المسئولية.

نقول:

هذه القمة تأتي في ظل تعامل غامض ومريب من جانب سياسات الإدارة الأمريكية سواء علي مستوي ازدواجية معايير تعالمها مع طهران في ضوء نتائج إتفاق 5 + 1 من ناحية والضمانات التى تصر علي أنها قادرة علي توفيرها لدول مجلس التعاون الخليجي من ناحية ثانية.. أو من ناحية غض النظر عن بعض سياساتها التوسعية في المنطقة علي حساب إستقلالية بعض الدول المجاورة لها ( البحرين والكويت ) او البعيدة عنها ( سوريا ولبنان واليمن ).. أو علي مستوي الأنباء التى يتوالي تسريبها عبر تقارير الصحف الأمريكية التى دأبت منذ منتصف عام 2013 علي نشر ما وصفته " صحيفة نيويورك تايمز " بانه " خطط أمريكية لتقسيم بلدان الشرق الأوسط بما فيها السعودية مصر وسوريا والعراق إلي أجزاء وفق مفاهيم الطائفية والمذهبية والعنصرية التى تزكيها سياسات الغموض التى أشرنا إليها.

هذه القمة تعقد والسعودية لها رأي واضح ومعلن حيال كافة الملفات الساخنة المشتعلة علي مستوي الشرق الأوسط.. وأيضاً فيما يتعلق بالإتفاق التى أبرم يوم 14 يولية الماضي مع طهران حيث إعتذر خادم الحرمين الشرفين في آخر لحظة عن المشاركة في قمة كامب ديفيد الى دعا إليها الرئيس الامريكي قبل هذا التاريخ بثلاثة أسابيع تقريباً.

أعلنت السعودية علي لسان وزير خارجيتها أنها لا تعترض علي فحوي الإتفاق، ولكنها تعترض علي سياسات اقليمية من أطراف أخري تمثل في مجملها تدخلاً في شئون دول مستقلة وذات سيادة تربطها بها علاقات تاريخية وجغرافية وطيدة.. وأكدت في أكثر من مناسبة أنها لن تسمح لأي قوة أقليمية أخري أن تهدد أمنها أو تعمل علي تعكير صفو علاقات الجوار في الشرق الأوسط..&

غموض الإستراتيجية الأمريكية في المنطقة إدي إلي:

زيادة ضبابة افق الحل السياسي للملف السوري وتمدد تداعياته إلتي فرضت تنظيم داعش علي المنطقة كلها بدءأ من سوريا في الشمال إلي ليبيا وتونس في الغرب ودول الخليج في الشرق واليمن في الجنوب.. ولم يَعد واضحاً لدي المراقبون الدوليون ما إذا كانت واشنطن تقف في صف التخلص مع الرئيس السوري كمقدمة لإغلاق هذا الملف أو في خندق من يطالبون بالإبقاء عليه كجزء أساسي من مكونات الحل السياسي!

وإلي تفاقم أزمة إختيار رئيس للبنان بعد مرور حوالي عام ونصف علي إستحقاقية رئاسته الدستورية.. ولم يعد في مقدورنا تبين ما إذا كانت في تقف صف تطوير حالة " الملل " اللبنانية إلي فوضوية سياسية واجتماعية وحرب مذهبية وطائفية تزيد من اشتعال منطقة الشام ككل!! أم تملك مقومات الضغط لأنهاء هذا الوضع المتعارض جملة وتفصيلاً مع ما تدعو إليه من استقرار وأمن..&

وإلي توسيع نطاق الأزمة اليمنية لمستوي المطالبة بأن يكون الحوثيون طرفاً في حلها من قبل أن يلقوا السلاح ويغادروا المدن والمحافظات التى دخلوها عن طريق الغدر وإسالة دماء الأبرياء ومحاولة فرض أسلوبهم في الحكم والإدارة بالقوة المسلحة وعن طريق العنصرية الطائفية والمذهبية، وفي نفس الوقت التمادي في رفض منح التأييد المعنوي لسلطة صنعاء الشرعية.. ووضع الطرفين الشرعي والتحالف العربي بقيادة السعودية في سلة واحدة مع المغتصب للسلطة المصر علي مواصلة تنفيذ مخططات التفتيت التى ترسمها قوة أقليمية لا ناقة لها ولا جمل في مجمل مشتملات الملف منذ بدأت تداعياته قبل نحو عامين.

ليس هذا فقط بل يمكننا القول:

أن غموض الإستراتيجية الأمريكية ومخططات التقسيم التى ترعاها واشنطن عن بعد، سمحت لتركيا كما قال تقرير لصحيفة الإندبندنت ( 30 أغسطس الماضي ) بأن تستغل الإتفاق العسكري الذي وقعه الطرفان لإستخدام قاعدة إنجرليك الجوية لضرب تجمعات الأكراد فوق أراضيها وأرضي كل من العراق وسوريا بما يوازي 300 غارة عسكرية، بينما قامت ضد تنظيم داعش بثلاث غارات فقط..&

وهذا الغموض يجعلها تقف بصلافة ضد بعض المبادرات السلمية علي مستوي الملف السوري سواء ما تطرحه موسكو بالتوافق مع الرياض وعمان والقاهرة، او خطة المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا والتي وافق عليها مجلس الامن بالإجماع خاصة وأنها تهدف إلي التوصل إلي حل سياسي للأزمة عبر تشكيل أربعة مجموعات عمل ميدانية..&

النظرة الواقعية العملية لمجمل هذه الملفات تشير إلي:

أولاً.. إستعداد الرياض لإيجاد صيغة تفاهم حول الملف السوري والملف اللبناني والملف العراقي، عبر التقريب بين وجهات نظر أنظمة الحكم في هذه البلدان وبالتنسيق مع واشنطن والإتحاد الأوربي

ثانيا.. رفض الرياض التام لأي تدخل إقليمي في الملف اليمني والملف البحريني، لأنها تتبني مطالب الشرعية الحاكمة في كل منهما وتعتبر التدخل الخارجي في شأنيهما إعتداء علي نصوص القانون الدولي وعلي حقوق ابنائهما في الحياة المستقرة الأمنة.

ثالثاً.. تسعي الرياض لأن تقوم دول التحالف الدولي التي تشن هجماتها العسكرية ضد تنظيم داعش بإعادة النظرة في أسلوب عملياتها العسكرية التى تقوم بها منذ أشهر طويلة بهدف إلحاق الهزيمة بهذا الجسم السرطاني دون جدوي، لكي تتمكن من تحقيق نتائج ميدانية أكثر إيجابية علي مستوي وقف تمدده والقضاء عليه في زمن محدود، للأسباب التالية:

أ – لأن الوقت طال بأكثر من اللازم دون القضاء عليه قضاءً مبرماً أو علي الأقل الحد من أعماله التخريبية التى نالت مظاهر الحضارات القديمة والدموية التى حصدت أوراح الألآف من الأبرياء، مما جعل التكلفة الشعبية والرسمية لحربه في تصاعد علي مدار الساعة.

ب – أن هذه الإطالة منحته الفرصة لأن يمد أعماله التخريبية والدموية إلي دول أخري بعيدة عن العراق وسوريا، وبالذات في داخل السعودية والكويت.

ج – ولأن الكثير من التنظيمات والجماعات الإرهابية والمتطرفة أعلنت تأييدها له وإنضمامها تحت رايته وإدعاء بعضها أنها تعمل لحسابه.

رابعاً.. ان التحالف العربي بقيادة السعودية الذي تصدي لمعالجة الأزمة اليمنية تمكن من فرض أسلوبه في التعامل مع ملفاتها العسكرية والانسانية ونجح في إضعاف التحالف المعادي للشرعية وللشعب، يساعد الرئيس اليمني عبد ربه منصور في السعي لدي كافة الأطراف من سلطنة عمان إلي جمهورية السودان لإيجاد أرضية سياسية تتوج العمل الميداني بحزمة من التحركات السياسية التي يمكن ان تؤدي إلي إقرار السلام في ربوع اليمن.

ولا يسعنا عند هذه النقطة إلا ان نبادر بالإستفسار:

هل بقي لدي إدارة باراك أوباما الفهم الكافي لكي تُقدر للسعودية موافقها المتوازنة في كل ما يتعلق بهذه الملفات ذات الصلة الوثيقة بمصالحهما المشتركة الشرق أوسطية؟

وهل بقي لديها من الوقت ما يجعلها حريصة علي التنسيق معها لكي تقلل من تداعيات غموض مخططاتها الإستراتيجية قبل ان تسلم ملفاتها للإدارة الجديدة قبل نهاية العام القادم؟

لا نستبعد أن يتفق الطرفان السعودي والأمريكي علي تنسيق ما، لكن الرئيس الأمريكي أبداً لن يأخذ بوجهة نظر الرياض فيما يتعلق بسبل ووسائل أطفاء الحرائق التى تضعها المملكة علي رأس أجندتها.

* إستشاري اعالامي مقيم في بريطانيا.. [email protected]