&
بعض الأطراف في الشعب الاشوري اليوم صحت من نومها العميق، وعلمت ان الاشوريين حقا مهددين في وجودهم في ارضهم الاصلية بيت نهرين. اليوم علموا ان اكثر من نصف الاشوريين قد هاجر وترك ارضه خوفا مما يخبئه المستقبل، وهو خوف يتوقع الاسواء. وهل يعلم القراء ان ما أصاب الاشوريين خلال السنوات الثلاثة عشر فقط، كان تدمير العشرات من دورعبادتهم، وقتل المئات منهم، وطرد الالاف من بيوتهم ومناطقهم، ومع ذلك وحينما حاولنا القاء الضؤ على ما يحدث، خرجوا لنا ببدعة ان المغادرين للعراق، يخرجون للسياحة والاصطياف، وان ما يصيبهم يصيب كل العراقيين. كان بودنا ان نصدق ما قيل، وكان بودنا ان نتحمل ما يصيبنا اسوة بما يصيب بقية اخوتنا في الوطن، ولكن الواضح انه كان استهداف للاشوريين لكونهم مسيحيين.
ان مقتل اشوري في أي حالة هو كمقتل أي انسان اخر، لا يفرق، ولكن مقتل الاشوريين وباستهداف مبرمج ومتتالي مع وضوح استيلاء على ممتلكاتهم بالتهديد والوعيد، فهو امر اخر، انه يعني القضاء على الوجود، ان الهوية الاشورية، مرتبطة بارض الرافدين (بيت نهرين) وفقدان احد أسس الهوية القومية، يعني المساهمة في صهر وإزالة ثقافة وكيان من الوجود، لاسباب دينية او قومية. وكان من المفترض في سياسيينا ان يعوا المسألة منذ البدء، ليس بدعوات ديماغوجية إعلامية لكسب الناس، كما فعل البعض من خلال البال تالك ووسائل التواصل الاجتماعي، بل بالتخطيط المتأني من خلال خلق مجموعات قوى مدربة عسكريا واستخباراتيا لكي تعمل على الأقل من اجل معاقبة كل من يثبت او يروج لارهاب أبناء شعبنا. وباعتقادي ان مثل هذا الامر كان ممكنا لان أبناء شعبنا لهم القدرة والامكانية للولوج الى داخل الأطراف الأخرى ومعرفة نواياهم. مع الأسف ان النوايا السليمة لا تقابل دائما بنوايا سليمة، ففي مجتمع يشيع فيه ان لم تكن ذئبا لاكلتك الذئاب، لا دور لحسن النوايا، بل التخطيط والاحتياط من أفعال الاخرين، التي لم تتحسن نواياهم تجاه الأقليات ابدا، بل ان النوايا كانت بقدر الضغط والقوة لدى الطرف الاخر.
لا يزال مروجوا (ان الاشوريين يخرجون من بلدهم لاجل السياحة) يتغنون بالقرار المستقل، فهم يمتلكون القرار المستقل وغيرهم نصف القرار والاخرين ربعه او لا يملكون، في عملية غبية اظهرتها منشوراتهم الاخيرة والتي فيها يتباكون على ضياع شعبنا من ارضه التاريخية، وقد يكون حتى هذا البكاء ليس لاجل الشعب الضائع، بل لاجل مكاسب من اجل السكوت عن ضياع خراف حسن النوايا. ولا اعلم اين كانت قراراتهم المستقلة حينما تم استهداف شعبنا كليا في الوسط والجنوب او في الهبة الهوجاء في ما حدث في زاخو او في احتلال سهل نينوى بكل مدنه وقراه وغيرها، هل خرج منهم شيء يعبر عن استقلالية قرارهم، ام ان سكوتهم دل دلالة واضحة على الخنوع والذل وعدم امتلاك أي مقدار من القرار المستقل؟
نغمة القرار المستقل المستوردة من نهاية الخمسينيات والستينيات القرن الماضي، والتي كان يتباه بها بعض قادة العالم الثالث، وبلدانهم وشعوبهم لم تكن تمتلك القدرة على انتاج ابرة، جعلت شعوبهم تدفع اثمانا باهضة لجهلهم بالف باء السياسية، واعتقادهم ان الصراخ من على المنابر وسب الناس دليل على القوة والمقدرة وليس دليل على الضعف والخنوع والذل خلف الأبواب المغلقة التي تجري فيها المحادثات والاتفاقيات السياسية واحيانا تفرض.
ولكن شعبنا ولأنه مغيب عن السياسة وممارساتها، اعتقد البعض منه ان هناك البعض ممن لا يمتلك القرار السياسي المستقل، لان هذا البعض لا يستعمل السباب والتجريح ضد الاخرين في الغرف المغلقة.
اليوم بات وضع الاشوريون في العراق ولحقتها سوريا بعدما كانت ايران قد سبقتها، في خطر داهم، فكما قلنا الهوية الاشورية مرتبطة بارض النهرين، وزوالهم من المنطقة يعني ان هناك احتمال لضياعهم كهوية مميزة امتلكت ثقافة محددة كانت تغني المنطقة والعالم بهذا التماييز، ولذا فعلى من يجد في نفسه القدرة على تحمل المسؤولية العمل من اجل إيجاد مخارج لعودة الامل بالبقاء او بترسيخ مفهوم الهوية القومية بوسائل جديدة ومبتكرة، لكي يتم الخروج من عنق الزجاجة، &الذي كان مدعي القرار المستقل دور كبير في الوصول اليه.