&الحرب الخفية

&
لا يزال النفط &يلعب دورا استراتيجيا في السياسات الدولية، وذلك لكونه المصدر الأكبر والأهم للطاقة في العالم والمحرك الرئيسي للإقتصاد العالمي. وليس من المبالغة القول ان من يتحكم بالنفط من حيث الإنتاج والتسويق والتسعير، يكون بإمكانه التأثير في السياسة الدولية.
يبلغ حاليا إجمالي الإنتاج العالمي من النفط حوالي 92 مليون برميل يوميا، حيث تنتج دول الأوبك حوالي 32 مليون برميل، والباقي أي حوالي 60 مليون برميل تنتجها دول العالم الأخرى المنتجة والمصدرة للنفط. بينما يبلغ الإستهلاك العالمي للنفط حوالي 91 مليون برميل او أقل قليلا من ذلك يوميا، اي ان هناك فائضا يقدر بحوالي مليون او مليون ومائتين الف برميل يوميا. تتصدر السعودية قائمة الإنتاج في دول الأوبك (10 مليون برميل يوميا)، بينما تتصدر روسيا قائمة الإنتاج في دول العالم الأخرى (10.9 مليون برميل يوميا)، تليها الولايات المتحدة الأمريكية (8.5 مليون برميل يوميا).&
شهدت اسعار النفط انخفاضا ملموسا منذ منتصف عام 2014م، لتصل الى اقل من 50 دولار للبرميل بداية العام المنصرم، ثم توالت سلسلة الإنخفاضات لتبلغ ذروتها يوم الثلاثاء من الأسبوع الماضي حين إنخفض السعر الى ما دون الـ 30 دولار للبرميل لفترة وجيزة، قبل ان يواصل الصعود الى ما فوق الـ 30 دولار بقليل.
ويعزى إنخفاض سعر النفط لعدة أسباب منها: (1) وجود تخمة في العرض تصل الى حوالي 1.2 مليون برميل يوميا.(2) توقعات صندوق النقد الدولي بإنخفاض النمو في الناتج المحلي الإجمالي العالمي من 3.4% الى 3.3% نتيجة التباطؤ في الاقتصادات الصناعية الكبرى في أوروبا واليابان، وتراجع النمو في الاقتصادات الناشئة لا سيما الصين (ثاني اكبر مستهلك للنفط في العالم) والهند. (3) رفع العقوبات الاقتصادية عن إيران سوف يسمح لها بزيادة إنتاجها بحوالي 500 ألف برميل يوميا في توقيت غير ملائم لأسواق النفط التي تعاني من فائض في المعروض.&
اكبر المستفيدين من إنخفاض اسعار النفط هي الدول الصناعية الكبرى في أوروبا واليابان وكوريا الجنوبية، إضافة الى الصين والهند، ودول الاقتصادات الناشئة في أمريكا الجنوبية ودول جنوب شرق آسيا. وكذلك الدول المستهلكة للنفط &في العالم الثالث، وشركات الطيران. أما المتضررين، في الدرجة الأولى تأتي الدول المنتجة للنفط، تليهم شركات التنقيب عن النفط العالمية.
في العقود الماضية قبل عام 2011م (عام إنتفاضات الربيع العربي) إذا انخفضت اسعار النفط بسبب الركود الاقتصادي العالمي ووجود فائض في المعروض، تتفق الدول المنتجة الرئيسية (داخل الأوبك وخارجها) على خطة لتصحيح أسواق النفط، أي رفع الأسعار تدريجيا الى المستوى المعقول والمقبول للمنتجين والمستهلكين، عبر الاتفاق على خفض ممنهج للانتاج لفترة زمنية محددة بهدف إمتصاص الفائض من المعروض وإعادة التوازن الى الأسواق العالمية. وغالبا ما تلعب السعودية دور ما يعرف بـ "المنتج المرجح".&
أما في الوقت الحاضر، حيث الحروب الأهلية تدور في أكثر من بلد عربي، هناك إتهامات من بعض الدول الخليجية العربية لدول غير عربية (إيران وروسيا) بتأجيج هذه الحروب بهدف السيطرة وتهديد الأمن القومي لدول الخليج العربي خاصة والدول العربية عامة. وعليه، اعلنت هذه الدول صراحة عدم رغبتها في خفض الانتاج حتى لو إنخفض سعر البرميل من النفط الى عشرون دولار او حتى اقل من ذلك. وفي المقابل تتهم كل من الحكومة الروسية والحكومة الإيرانية دول الخليج بالتآمر عليهما لضرب إقتصاديهما. منذ عام 1973م أصبح النفط سلاحا فعالا في الحروب.
لن يرتفع سعر النفط الى المستوى الاقتصادي المقبول لكل من المنتجين والمستهلكين، إلا اذا إنتفت الحاجة إليه كسلاح فعال يستخدم في الحروب الأهلية الدائرة حاليا في الشرق الأوسط، وهذا يتطلب بدوره إيجاد حلول للحروب الدائرة منذ سنوات في سوريا واليمن وليبيا والعراق، وهذا على ما يبدو سوف يستغرق وقتا طويلا. إنها السياسة بكل الاعيبها ايها العقلاء.
آخر الكلام: ما يؤسفني حقا في الوضع العربي هو غياب الموقف الموحد للدول العربية في الكثير من القضايا التي تمس مستقبل المنطقة وأمنها القومي.
&
&