&يمضي قطار العالم، وتجر الأيام ساعاتها ودقائقها،ليرحل عن دنيانا رجل طيب، بدوي الطباع، كريم النسب، رائع الخلق، تميز بالطيبة و التواضع، ونهل من رحيق الحياة حتى الثمالة، كان شعلة من الأمل والطموح والصبر وعدم الخنوع لليأس، ونموذجا ثريا للعطاء الإنساني المتدفق وهو يفيض بكرمه من المثل والأخلاق والذكر الطيب، لقد رحل غريبا في دولة الإمارات العربية، وبعيدا عن مغتربه النرويجي حيث محطته الحياتية الأخيرة في محطات العمر أستاذي ومعلمي وصديقي لسنوات طويلة الدكتور الأكاديمي والكاتب الصحفي المغفور له أحمد أبو مطر، والذي كان أحد نجوم وكتاب إيلاف المخضرمين، كما كان قطبا إعلاميا متميزا في القنوات الفضائية العربية الشهيرة، ومحاورا بارعا في الدفاع عن الإنسان في كل مكان، وفارسا من فرسان القضية الفلسطينية التي كان يحملها في وجدانه حتى وهو يعيش أزماته الصحية المتتالية في خريف العمر. &
لقد عايشت الراحل الكبير الذي كان أستاذا وزميلا في نفس الوقت لسنوات عديدة في مغتربنا المشترك مملكة النرويج، وكانت لقاءاتنا الخاصة عنوانا للتواصل والتفاعل الحي بين الأستاذ والتلميذ، فقد تشرفت بمعرفة الراحل أحمد أبو مطر في رحاب كلية الآداب بجامعة البصرة عام 1980 حينما كانت طالبا في تلك المرحلة وجاء لتدريس اللغة العربية أستاذ فلسطيني كان وقتها حاصلا على الدكتوراه من جامعة الإسكندرية المصرية حول الرواية الفلسطينية، وتعرفت عليه وأنا طالب وهو أستاذ وكان شابا قويا عزوما نشيطا، إلا أن تلك العلاقة سرعان ما أنقطعت لخروجي من العراق عام 1981، وليدور الزمن دورته وتأتي الدياسبورا الفلسطينية الكبرى الجديدة بعد الغزو العراقي للكويت عام 1990 ليأتي عام 1992 وألتقي بأستاذي القديم في العاصمة النرويجية أوسلو التي وصل إليها لاجئا من تونس عاصمة الشتات الفلسطيني وقتها!، كان أحمد أبو مطر وقتها مشغولا بتصاريف الحياة بعد أت أضطرته المخابرات السورية لمغادرة التراب السوري والعيش في جزيرة قبرص قبل أن يقرر أبو مطر الرحيل شمالا ضمن قوافل الراحلين، لقد عانى أستاذي الراحل من مشاكل سياسية عدة في أوسلو تركت آثارها على صحته كقضية معاناة زوجته المناضلة الفلسطينية القديمة ( سهيلة ) من معاناة المتابعة الأمنية وإعتقالها لسنوات في ألمانيا ثم النرويج بتهمة القيام بعمليات فدائية عام 1977، وهي القضية المعروفة التي هزت النرويج، وكان الراحل وقتذاك يدير معاناة أسرية وإنسانية ظلت تشكل هاجسا وقلقا له، وتحمل ما تحمل بشجاعة وبأس وصبر معروف عن شعب الجبارين &حتى أنفرجت الأزمة التي تركت آثارها الحادة دون شك على صحة الراحل الكبير. & & &
على المستوى العلمي والإعلامي كان د.أحمد أبو مطر شعلة من النشاط والحيوية ولم يمنعه مرض القلب اللعين الذي أصيب به قبل سنوات قليلة من العطاء والسفر والتحرك والكتابة والنشر، بل كان دائم الحضور في جل الفعاليات الإعلامية، وكان له وجوده في الإعلام العربي وهو وجود فاعل ومؤثر، وكنت في حالة تواصل معه إلى قبل ساعات من رحيله المفاجيء الذي شكل صدمة شخصية تضاف لصدمات عديدة موجعة، لقد رحل أحمد أبو مطر عن دنيانا الفانية وقد إختلف حوله وفيه الناس إختلافا كبيرا، فبين مبغض قال ومحب له تفاوتت الآراء في مواقفه المناهضة للتطرف والمسالمة والقوية جدا في معارضة الإستبداد، إستبداد أنظمة الشرق التعيسة، وكان حتى آخر لحظات العمر مؤمنا بالحرية، مدافعا جسورا عنها، تحمل بصبر عجيب مختلف الإتهامات الظالمة دون أن تهتز له شعرة أو ينكص ويتراجع عن مواقفه المبدأية... سيكون فراغه كبيرا و مؤثرا، لقد خسر الإعلام العربي أستاذا نقيا صادقا رحل لجوار ربه بعد أن أدى الأمانة وترك خلفه أبناء مبدعون ناجحون يعبرون عن عزيمة وصلابة وقدرة الإنسان الفلسطيني المبدع... وداعا يا أستاذي ومعلمي البدوي الجميل الأصيل القادم من أعماق صحراء النقب، وداعا يارفيق الغربة وزميل مهنة المتاعب وأستاذي القديم الذي ترجل عن الصهوة بعزيمة وكرامة الفرسان، المجد لروحك الطيبة، والرحمة والغفران من عند مليك مقتدر، ورحمك الله أيها الأستاذ الجليل، وإنا لله وإنا إليه راجعون، وسلام على روحك الطاهرة وهي ترفرف لتحيي الأحرار و تشيع البسمة والأمل في وجوه المحرومين... وداعا أحمد أبو مطر وإلى رحمة الباري بعون الله.