&

لا أدري إن كان علينا أن نتشاءم ونقلق، أم نتفاءل وننشرح، أم ننتظر ونتأمل متفرجين على ما ستؤول إليه أحوال العراق، ونحن نعيش هذا الزخم الهائل من الأحداث والمفاجئات والتداعيات المنذرة بالخطر والتغيير ، أياً كان نوعه ومنحاه . وأنا أتكلم هنا بصفتي كسياسي ملتزم بقضية شعبه ومناضل ومعارض قديم للحكم الدكتاتوري المنهار &الذي حكم العراق طيلة أكثر من أربعة عقود، بالحديد والنار وفرض نظام الخوف والرعب والريبة &وتمجيد القائد الضرورة وتدمير البنى التحتية وتشويه للمنظومة الأخلاقية والمجتمعية لدى كافة فئات الشعب العراقي بلا تمييز. و بصفتي أيضاً كإعلامي ومحلل سياسي، إذ أراقب اليوم ما يحدث في العراق من تطورات منذ إطاحة نظام صدام الدموي عام 2003 وإلى يوم الناس هذا، حيث &يعتقد الكثيرون أن هذا البلد دخل في نفق مظلم ولا أمل في رؤية بصيص من الضوء خارج النفق.
المسئول الأول &عن هذه الكارثة العراقية هو بالطبع الولايات المتحدة الأمريكية وأذيالها الأوروبيون في المجتمع الدولي الغربي على وجه التحديد، الذين جعلوا من العراق ساحة مكشوفة للصراعات وإعادة توزيع الأوراق ورسم ملامح الخريطة الإستراتيجية الجديدة للعالم &وتوزع مناطق النفوذ فيها، كبديل لمرحلة سايكس بيكو &في أعقاب الحرب العالمية الأولى وتقاسم إرث الرجل المريض أي الامبراطورية العثمانية.&
المسئول الثاني هم العراقيون أنفسهم الذين باتوا يعيشون في عقلية القرون الوسطى ومجتمع العشيرة &والفصل العشائري والولاء العشائري والديني والمذهبي والإثني قبل أن يكون ولاءهم للوطن والتمسك بالمواطنة التي يمكن أن تكون بمثابة طوق النجاة. وعلى رأسهم قادته السياسيين الجدد أو زعماء الصدفة الذين أتت بهم الظروف &وفرضتهم الولايات المتحدة لحكم هذا الشعب المسكين بشتى الوسائل والطرق الملتوية وعلى رأسها نظام المحاصصة المقيت الذي جاءت به أمريكا كلعنة على هذا البلد وشعبه في محاولة لتمزيقه وتقسيمه وتدمير هويته الوطنية &وتمزيق نسيجه الاجتماعي.&
لقد أجج الأمريكيون وأتباعهم في العراق الفتنة الطائفية والاستقطابات المذهبية عملاً بمبدأ فرق تسد. ووقع العراقيون للمرة الألف في هذا الفخ المميت وهم غير واعون بمخاطره، باستثناء قلة قليلة من النخب &المثقفة والعلمانية . ومن ثم نجحت أمريكا في فرض الإسلام السياسي على الحياة السياسية والمدنية من خلال لعبة انتخابات بائسة ومفصلة على قياس الأحزاب الإسلامية بذريعة تطبيق الديموقراطية في البلاد. وشرعت دستوراً لا يوجد له مثيل في العالم، مليء بالتناقضات &والفقرات القابلة لمختلف التفسيرات والتأويلات حسب الحاجة، و سنت قانوناً للانتخابات مثير للسخرية و لا يوجد له نظير على الكرة الأرضية برمتها. وبعد أن أوصلوا العراق إلى طريق مسدودة ومأزق دائم تحيط به الأخطار والتهديدات والتدخلات الخارجية ، العربية والإقليمية والدولية، انسحبوا منه ظاهرياً من الباب لتقليل خسائرهم المادية والبشرية والمعنوية، وعادوا إليه من الشباك لاستكمال مخططاتهم الجهنمية. كما فسحوا المجال لدول الجوار للتحكم بمصير هذا البلد الجريح وشعبه المظلوم، حتى تلك الدول القزمة التي لاتزيد في مساحتها &وعددج سكانها عن أحد أحياء القاهرة، حيث لم تترد دول الجوار، المباشر وغير المباشر، في إنفاق مليارات الدولارات لشراء الذمم والأتباع ، وتشكيل الميليشيات المسلحة &السنية والشيعية والكردية وتغذيتها بالمال والسلاح لكي تتمرد وتتحدى هيبة الدول والنظام وتفقدهما مصداقيتهما أمام الشعب. وشاعت الفوضى &والإرهاب &وطغيان قانون الغاب &والعصابات المنظمة ومافيات الفساد والنهب والسلب من أعلى قمة الهرم إلى أسفله في نسيج السلطات الثلاث الرئاسية والتشريعية والتنفيذية ، بل وحتى في نسيج وأخلاقيات المواطنين العاديين الذين لا يتورعون عن المطالبة بالرشاوي علناً لإنجاز أية مهمة حتى لو كانت غير شرعية أو خارقة للقانون.&
تعاقب على حكم العراق أربعة رؤساء لمجلس الوزراء على قمة السلطة التنفيذية هم على التوالي أياد علاوي إبراهيم الجعفري ونوري المالكي وحيدر العبادي، والثلاثة الأخيرين من حزب الدعوة، و على مدى إثني عشر عاماً كخلفاء لمجلس الحكم المشئوم الذي أقامه الأمريكيون تحت سلطة وتوجيه سيء الصيت بول بريمر. وبدل &الإزدهار &والأمن والتطور والنمو والحرية والديموقراطية الحقيقيين، التي وعدوا بها الشعب العراقي ، عادوا بهذا الأخير إلى الحضيض وأساليب الحكم في القرون الوسطى. وغاب الجمال والفرح والسعادة وساد القهر والظلم والفقر &والنهب والسلب والخوف والرعب &ومنطق السلاح والقوة. وما على المواطن إلا أن يكون مع أو ضد هذه الجهة السياسية أو تلك التي تتكفل بحمايته وتوفير سبل العيش له.&
نعم هناك من يتربص بالعراق ويحيك له الشر ويتمنى أن يراه يحترق كما احترق قبله دول عريقة كسورية وليبيا واليمن، لأنه يمثل لهم خطراً كامناً يؤرقهم ويرغبون بتدميره نهائياً حتى لا تقوم له قائمة بعد اليوم. ولقد بدأ بعضهم بالفعل بالتدخل السري والاستخباري للتغلغل في الأوساط الشيعية والأوساط السنية &والأوساط الكردية لزرع الفتنة وتأليب البعض على الآخر، ووقع السذج من أبناء العراق والخبثاء على حد سواء، في هذا المطب الخطير لذلك بات العراق اليوم على فوهة بركان قابل للانفجار في أية لحظة.&
هنالك زعماء في العراق يتمتعون بجماهيرية كبيرة وكاريزما عالية لكنهم لا يفقهون شيئاً في متاهات الاستراتيجيات العالمية وأساليب القوى الدولية والمخابرات الأجنبية الخبيرة في التلاعب بكل شيء واستغلال أية ثغرة واختراق أي تيار لتوجيهه الوجهة التي يريدونها دون وعي منه. بل إن بعضهم يجهل أن البعث البائد وأيتام صدام حسين استعادوا المبادرة وهم يملكون المال والسلاح &والتأييد من قبل الكثير من دول الجوار ، نجحوا في اختراق &الأجهزة الحكومية والأمنية والعسكرية والأحزاب والتيارات السياسية الحاكمة متسترين تحت عباءة الدين والمذهب ليؤدوا أدوارهم الخبيثة وتدمير العملية السياسية البديلة لحكمهم المنهار، ولكن هذه المرة بمباركة أمريكية وأوروبية وعربية ، وما داعش الإرهابية سوى حلقة من حلقات هذا المسلسل الجهنمي . &
فهل يستطيع زعماء وقادة العملية السياسية في العراق اليوم أن يحسبوا بدقة عواقب سلوكهم وتصرفاتهم ونهبهم للمال العالم ونشر الفساد والفوضى وانعدام الأمن والأمان؟ وهل يقدر زعيم مثل مقتدى الصدر تبعات وتداعيات تحديه للنظام القائم وخرقه لقواعد اللعبة التي هو جزء أساسي لايتجزأ منها بما فيها من سلبيات ، وما أكثرها، وإيجابيات، وما أقلها؟ إنه يقدم من حيث لا يدري ، وعلى طبق من ذهب، الفرصة لأعداء العراق والحاقدون عليه والراغبون في الانتقام منه ومن شعبه، للانقضاض عليه وتمزيقه وإغراقه في حرب أهلية ومذهبية داخلية سوف تحرق الأخضر واليابس وسيكون هو وأنصاره الطرف الخاسر فيها حتماً لأنه غير مرغوب فيه لا عربياً ولا إقليمياً ولا دولياً نظراً لما عليه من علامات استفهام وخطوط حمراء وتجارب سابقة نجمت عن المواجهات مع فصيله المسلح المعروف باسم جيش المهدي &والذي أفرز مؤخرا إحدى فصائل &الحشد الشعبي سرايا السلام، وانشق عنه بعض التشكيلات العسكرية كعصائب أهل الحق وغيرها، وهو يعرف جيداً أنه لا يستطيع أن يملي على شركائه في العملية السياسية إرادته وإصلاحاته بطريقة أنا أقول وأنت تنفذ؟، وهم يخشون تجاوزاته ويحاولون احتوائه بالحسنى أو بالتي هي أحسن لكنهم متأهبون أيضاً أو على أهبة الاستعداد لكافة السيناريوهات المحتملة، وما عليه سوى أن يستعلم عن ردود فعل منظمة بدر وقائدها هادي العمري &والسيد المالكي ومن معه ورئيس الحكومة العبادي وما لديه من قوى في الجيش والشرطة والأمن الداخلي، والمجلس الأعلى الإسلامي وما لديه من قدرات مالية وتسليحية. و لا بد أن يدرك السيد مقتدى الصدر أن تحركه الأخير لا يملك مقومات النجاح إذا لم تقبل به وترعاه إيران وهي التي تحرك بفعالية الكثير من المنافسين له والذين لا يقلون عنه عدداً وقوة واستعداداً وتسليحاً ن وعليه ألا ينسى نتائج مجابهاته السابقة مع حكومة أياد علاوي وحكومة نوري المالكي ، وبالتالي ربما سيضطر &حيدر العبادي إلى أن يقوم بمثل ما قاما به ويحرك قطعات الجيش والشرطة والأمن الداخلي لمنع استيلاء أنصار الصدر على المنطقة الخضراء واقتحامها يعاونه في ذلك باقي القوى الشيعية المسلحة المنافسة أو المناوئة لمقتدى الصدر وتياره لا سيما وإنه ليس بعيداً عن ماكنة الفساد أو بريئاً منها . هذا هو المأزق الذي يعيش فيه العراق اليوم إلى جانب الأزمات الحياتية اليومية ونقص أو غياب الخدمات وغلاء المعيشة وتفشي الفقر والسرقة والفساد والرشوى التي باتت تنخر في خلايا المجتمع العراقي ونسيجه الداخلي.&
بعد التشخيص السريري لابد من وصفة وعلاج على شكل مقترحات ونصائح وهي تتلخص ببرنامج الحراك &الجماهيري ومطالب المتظاهرين المدنيين التي قدمها &النشطاء المدنيون وعلى رأسهم &الأستاذ جاسم الحلفي في بضعة نقاط هي:
1- إن &المحاصصة هي سبب الأزمة، و لا بد من الحل والتغيير على أن يكون تغير في بنية النظام عبر الخروج من المحاصصة ومغادرة منهجها.وعبر ترسيخ المواطنة.
2- فتح ملفات الفساد ومحاكمة الفاسدين، وحفظ المال العام واسترجاع ما سرق وتم تهريبه إلى خارج البلاد.
3- تأمين الخدمات للمواطنين وعلى رأسها الكهرباء &والأمن والصحة والنقل العام .
4- تشكيل حكومة من كفاءات مستقلة قوية شجاعة ذات خبرة لها قدرات لإدارة الدولة. لا تخضع للمحاصصة ولا الى إرادة المتنفذين.
- إعادة تشكيل الهيئات المستقلة من شخصيات مستقلة حقا، تنطبق عليها نفس المعايير أعلاه.
5- إن تطرح الحكومة التي تتشكل على ضوء رؤيتنا برنامجها بسقف زمني لا مراوغة فيه. &&
هل سيفهم الدكتور حيدر العبادي هذا الوضع ويتحرك على نحو فعال للخروج من المأزق قبل فوات الأوان ووقوع الكارثة، وهل سيدرك السيد مقتدى الصدر فداحة ما سينجم عن هيجانه الأخير وتحديه للجميع ووضعهم أمام الأمر الواقع؟
&
&