لا جديد عندما نذكر ان الفاتيكان هي اصغر دولة في العالم مساحة واقل نفوساً نصف كيلو متر مربع وساكنة لا تتخطى الالف فرد الا أن قوتها تكمن في المركز الديني والتاثير الروحي على ما يقارب المليار والنصف من اتباع الديانة المسيحية الكاثوليكية وفيها اكبر كنيسة في العالم ويتولى حماية الدولة حرس من سويسرا وشرطة خاصة بالفاتيكان دولة بلا جيش ولا مدافع لكن قذائفها تصل الى اقصى مكان في اركان المعمورة، تنتهج الدعوة الى التسامح والحوار بين الاديان والتعايش بين بني البشر على كوكبنا الارضي.

يذهب محمد بن زايد قاصدا حاضرة الفاتيكان ليس سائحا او لغرض المجاملة انما ينطلق من قراءة متفحصة لطبيعة المناخ الدولي الذي يعج بموجة من الارهاب المتنقل بين الشوارع والساحات ودور السينما في عواصم الغرب وللأسف ينسب الى فئات متطرفة من شرقنا الإسلامي وبيئة دولية تعج بقضايا العنف وزحف ملايين المهاجرين الى اوربا واوضاع مؤلمة للمسيحيين في الشرق الأوسط وسط انتشار التشدد والكراهية والبغضاء.

زيارة وسط معطيات دولية بالغة التعقيد وهنا يؤكد الشيخ عبدالله بن زايد وزير خارجية الإمارات ( بأن زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد ولي عهد ابو ظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الى الفاتيكان ولقاءه البابا فرانسيس تؤكد على اهمية الحوار البناء بين البشر من جميع الأديان ) خصوصا وان البابا في جميع تصريحاته عن الارهاب وما بات يرتبط بالمتطرفين الإسلاميين ينفي بشدة وجود حرب بين الاديان في عالم اليوم كما يحلو لداعش ومنظمات الارهاب على تسويق هذه المصطلحات ويضيف البابا ان لا بديل عن الحوار الا الحوار.

الكرسي الرسولي له تأثير بالغ في الساحة العالمية ودبلوماسيته شديدة التنظيم والمراس ولها تداخل قوي في العلاقات الدولية وترتبط بتمثيل دبلوماسي وسفارات

مع 140 دولة في العالم بغض النظر عن شكل انظمتها السياسية والاقتصادية او الدينية وتحضى بنفوذ سياسي قوي لا يستهان به ومن منا لا يتذكر دور الفاتيكان في انهيار الكتلة الشرقية الشيوعية وتفكك الاتحاد السوفييتي السابق الذي انتهى بلا تدخل عسكري وكان لدعم الفاتيكان انشاء منظمة التضامن في بولندا اول الثمانينات من القرن الماضي بداية الفعل والتأثير للكنيسة في العلاقات الدولية ولو بقي ستالين حيا لأدرك هذه القيمة بعد ان استهزأ بدور الكنيسة البابوية ايام الحرب العالمية الثانية عندما قال ساخرا ( كم دبابة يملك البابا؟).

صحيح انها دولة صغيرة لكن فعل البابا لا يضاهى وتنبع هذه الاهمية من مكانتة الدينية في البلدان المسيحية الكاثوليكية وهي في الاغلب دول متقدمة ولها تأثير كبير على الساحة العالمية وتعطي هذه الدول في بروتوكولاتها الدبلوماسية اسبقية لسفراء الكرسي الرسولي بل انه حتى الولايات المتحدة الامريكية وهي اللاعب الاقوى في العالم تنظر الى انه يمكن الأعتماد على الفاتيكان في حل بعض المشكلات في الجغرافية السياسية.

وعلى ذمة السياسي الروسي ورئيس الوزراء الراحل يفغيني بريماكوف حينما سألته في فندق الرشيد ببغداد عام 1991م صحفية عراقية بأعتباركم تمتلكون اقوى جهاز استخبارات في العالم فرد عليها مبتسما ليس نحن فقالت له ربما تأتون بعد السي اي ايه فقال لا ابدا واردفت الصحفية ولا حتى بعد الموساد وهنا ضحك بريماكوف قائلا الفاتيكان هو من يمتلك اقوى جهاز استخباري ومعلومات في العالم مطلقا.

زيارة محمد بن زايد جاءت في التوقيت المناسب ولا نعلم عما قاله الرجل للبابا لكن بحسنا الصحفي ندرك حجم واهمية زيارة رجل دولة بحجم محمد بن زايد الى حاضرة الفاتيكان وسط هذا المناخ الملتهب والملئ بالتعقيدات والمشحون بأزمات جد مؤلمة. الإمارات العربية بعد ان انجزت استقرارا منشودا ونموذج تنموي رائد وسياسة خارجية فعالة وهادئة بهدوء وزيرها الشاب والمثقف قليل الكلام كثير الافعال نسجت علاقات دولية هامة وبنت مكانة وازنة ولها تأثير لا يستهان به وكما

يقول استاذ الدبلوماسية العراقي الراحل د. كيلان رامز أن اية سياسة خارجية لدولة ما من دون عائد تعني الفشل بحد ذاته.

الإمارات تحصد اليوم جهدها الدؤوب في أرساء علاقات خارجية تقوم على أسس الاحترام المتبادل ومحاربة الارهاب ونبذ التطرف واشاعة اجواء التسامح والحوار البناء واكتساب المزيد من الصداقات العالمية والتعاون الاقتصادي ومد يد العون للاشقاء والاصدقاء سيكون لزيارات قادتها للبلدان اهمية فائقة لانها دولة تجيد قراءة تفاصيل المشهد الدولي وتحسن السير وسط تضاريس الجغرافية السياسية في منطقة شديدة الحساسية.

الشيخ محمد بن زايد أمتلك رؤية ثاقبة لمسار الأحداث وتفاعلات المنطقة فهو الأجدر والأقدر على التعاطي مع تداعياتها وتقليل حجم الخسائر واطفاء بعض الحرائق لانها اصبحت دولة تسهم في صياغة قرارات المنطقة.

&

[email protected]