قال لي سائق التاكسي& شاب نقلني من مطعم "كوندور" في الحمامات الجنوبية إلى بيتي في الحمامات الشمالية وهو ساخط :" حتى هذه اللحظة أنا لا أعرف من أنتخب.... كلهم سواسية... وكلهم يكذبون ".

ويعني سائق التاكسي ب "كلهم"، ال62&مترشحا للانتخابات الرئاسية التي ستنتظم في الخامس عشر من الشهر الحالي. وظني أنه يعبر عن رأي نسبة كبيرة من التونسيين يعانون من نفس الحيرة، ومن نفس الضبابية والارتباك في اختيار رئيسهم القادم...ولعلهم على حق... فقد تبين لهم بعد مضيّ ما يزيد على الثمانية أعوام على سقوط نظام بن علي أن بلادهم أصبحت "سوقا" هائلة للشعارات السياسية الجوفاء ترددها أحزاب يفوق عددها ال المئتين، وجميعهم تقريبا لا برامج لها سوى الوعود الكاذبة، والثرثرة الموجعة للرأس. كما تبين لهم أن المتنافسين على كرسي الرئاسة لا برامج لهم هم أيضا، بل أن& أغلبهم لا يقدر حتى على إدارة شؤون بلدة صغيرة، أو شركة من الصنف المتوسط أداء وربحا. وهناك من بينهم من لا دراية له بتاريخ تونس لا قديما ولا حديثا، ولا قدرة له إلاّ على لوك خطاب شعبوي سمج فيه يعد الناس بإنهاء الفقر والبطالة في ظرف أشهر قليلة، أو بناء جسر يربط بين تونس وجزيرة صقلية لتسهيل الهجرة، أو السماح للنساء فقط بالركوب مجانا في وسائل النقل العام، أو بجعل تونس شبيهة بسويسرا في ظرف خمس سنوات...&

ورغم أنهم يعلمون أنهم لا يتمتعون بقاعدة شعبية صلبة، ولا أنصار لهم سوى حفنة من الشبان الذين لا يزالون يحلمون بظهور تشي غيفارا جديد يعلن الحرب مرة أخرى على "البورجوازيات العفنة"،& وعلى الرأسمالية العالمية، وصندوق النقد الدولي، فإن اليساريين المنتمين للتيارات الماركسية-اللينينية، انقسموا فيما بينهم ليقدموا ثلاث مرشحين للرئاسية. وكل واحد منهم يزايد على الآخر في الراديكالية. ودفعت حركة النهضة الإسلامية بالشيخ عبد الفتاح مورو في السباق& إلى كرسي الرئاسة، إلاّ أنه لا يحظى بالمصداقية لأنه عوّد التونسيين على قول الشيء ونقيضه في نفس اليوم. لكن الملاحظين العارفين بخفايا الكواليس يتهامسون بأن النهضة قد تكون وعدت آخرين بالمساندة. وقد يكون محمد المنصف المرزوقي الذي ترك ذكريات سيئة أيام توليه الرئاسة المؤقته في فترة اعداد الدستور الجديد من بين هؤلاء.& وقد يكون من بينهم أيضا قيس سعيد، وهو أستاذ في القانون الدستوري يقول عنه التونسيون بإنه قد يكون "ابتلع آلة تسجيل" لأنه &قادر على أن &يتكلم لمدة نصف ساعة من دون توقف، وبطريقة تجعله شبيها بمومياء ناطقة. ورغم أنه يقبع في السجن بتهمة "التهرب الضريبي"، فإن نبيل القروي، صاحب قناة "نسمة" التلفزيونية، الذي يلقب ب "برلسكوني التونسي" سيشارك في الانتخابات. وكان هذا الرجل الأنيق واللبق قد قام بعد وفاة ابنه الأكبر في حادث سيارة بجولة واسعة في مختلف مناطق البلاد مقدما تبرعات وصدقات للفقراء وضعاف الحال. لذا قد يصوت له الكثير من هؤلاء حتى وهو داخل السجن. &ويرغب يوسف الشاهد الذي استقال من منصبه كرئيس للحكومة قبل بداية حملة الانتخابات الرئاسية، وتنصل من جنسيته الفرنسية، في أن يكون هو أيضا الرئيس القادم لتونس. وهو يحظى بدعم كبير من أنصاره الذين انشقوا مثله عن حزب نداء تونس الذي أسسه الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي عام2012ليكسب انتخابات عام2014.& كما يحظى&يوسف الشاهد بتأييد البعض من كبار رجال الأعمال &النافذين في الاقتصادية التونسية. &وأما المرشح الآخر الذي يتمتع بحظوظ كبيرة في الفوز بالرئاسية فهو د. عبد الكريم الزبيدي الذي كان وزيرا للدفاع في حكومة يوسف الشاهد. وهو معروف بوفائه للرئيس الراحل الباجي& قائد السبسي الذي جعله موضع ثقته في الأشهر الأخيرة من حياته. ومن مزايا د. عبد الكريم الزبيدي أنه عارف بدواليب الدولة، ومتمرس بالعمل في مؤسساتها. كما أنه رجل هادئ ورصين ونظيف اليد. عيبه الوحيد بحسب البعض أنه ليس حازما في قراراته، وليس بليغا في كلامه في زمن تونسي بات يتطلب جرأة في فرض القوانين على الجميع، وانهاء الفوضى، والتسيب الذي أضر باقتصاد البلاد وباستقرارها وأمنها. وأما المرأة الوحيدة التي ستشارك في الانتخابات الرئاسية فهي السيدة عبير موسي. وهي محامية جريئة، ولاذعة اللسان، ومعروفة بولائها للزعيم بورقيبة، وللرئيس زين العابدين علي. وعلى مدى السنوات الماضية، نجحت السيدة عبير موسي في بناء حزب جديد هو "الحزب الدستوري الحر". وفي حملاتها، وخطبها، وتصريحاتها، وحواراتها في الوسائل السمعية والبصرية، &هي لم تنقطع &عن توجيه انتقادات حادة لحركة النهضة الإسلامية، &محملة إياها مسؤولية الأزمات الخانقة والخطيرة التي تتخبط فيها تونس منذ انهيار نظام بن علي وحتى هذه الساعة. &