ثقافة القطيع هو مصطلح يطلق على سلوك الأشخاص في الجماعة عندما يقومون بالتصرف بسلوك الجماعة التي ينتمون لها دون كثير من التفكير او التخطيط. هذا المصطلح في الأساس يطلق على تصرف الحيوانات في القطيع او السرب، كما يطلق على سلوك الطلاب في المدارس او الأشخاص خلال أنشطة مختلفة كالفرار من الحوادث او نشاط سوق الأسهم. ويمكن ان تصنف المظاهرات في الشوارع كذلك من ضمن هذا النوع من السلوك. (ويكيبيديا – الموسوعة الحرة).

ثقافة القطيع هي التي تسود اليوم في مجتمعاتنا العربية، وكأن الانسان العربي اصبح عبدا مأمورا، سلم عقله للآخرين ليفكروا عنه ويقودوه الى حيث يريدون. والمطلوب منه ان يلبي ويطيع لينال الرضى والقبول، بعيدا عن فطرته وآدميته. المشكلة ان هذه الثقافة بقيت كإرث وتراث ثقافي في معظم مجتمعاتنا العربية رغم انتشار التعليم وتطور الوعي العام.

الناس وخاصة المتعلمين منهم قد يرفضون بعض السلوكيات التي يحددها القطيع لكنهم في معظم الأحيان لا يجرؤون على التصدي لها حتى لا يتهموا بالخروج عن الجماعة، ألأمر الذي عزز حضور هذه الثقافة على الرغم من كل هذا الحجم الهائل من المعارف والثقافات. وهناك جانب آخر سهل بقاءها وتغلغلها في الذهنية الجمعية العربية، وهو ظهور وسائل الاتصال السريعة والفعالة التي شغلت ادواتها وهي الإشاعة، فالإنترنت ورسائل الجوال أصبحت تقوم بدور المحرض التكنولوجي الذي يستطيع ان يوقظ العقلية الجمعية بكبسة زر متى شاء وكيف شاء.

النظريات الفلسفية سواء عند الفلاسفة او العلماء تؤكد انتفاء "الأنا" مقابل إرادة الجماعة، ليكون هذا سببا مباشرا لسهولة التأثير على الفرد، والتحكم به من خارج وعيه، وقدراته الشخصية، إلا أن هذا يبقى بعيدا عن الفرد المبدع فلا يطوله. وأكثر ما يتجلى سلوك القطيع هو عند الشعور بالخطر إذ تنتفي عندئذ فكرة الاستقلالية، وهو سلوك متأصل في النفس البشرية من اجلالدفاع عن وجودها لينتظم أغلب الناس في قطعان مختلفة بهدف الحماية من الأذى الخارجي.

لا يمكن للإنسان أن يصلح ذاته ويتذوق طعم الحرية والكرامة الإنسانية طالما كان سلوكه في الحياة يجري بموجب طرق وأساليب محددة سلفا من قبل الآخرين ، بحيث يلزمونه أو يلزم نفسه باتباعها. الطريق الوحيد الذي يحقق له ذلك هو إدراكه للأسباب التي تحتم عليه أن يسلك هذا المسلك أو غيره، وقناعته الشخصية بأن أحدا لا يمكنه القيام به نيابة عنه، بمعنى أن يختارهو شخصيا أسلوب حياته بوعي وحرية، ودون وصاية من أحد، مع الالتزام بمبدأ التسامح وقبول الآخر.

لقد وهب الله لكل انسان عقلا ليفكر به ويميز بين الأشياء ويختار ما هو مقتنع به. ومن الامور الملحة في استخدام العقل هو اتخاذ القرارات، واتخاذ القرار هي عملية تحتاج الى وعي وادراك، وهذا الوعي والادراك يحتاج الى بحث واطلاع واسع بما يدور حول الانسان من احداث او وقائع او افكار او برامج، وبناء على هذا الوعي والادراك يتخذ الانسان قراره. وباتخاذ القرار سواء أكان على صواب او خطأ يكون قد استخدم عقله، وكان سيد نفسه، ولم يسمح للآخرين بالتفكير عنه او اتخاذ القرار نيابة عنه.

لقد انساق الكثير من الناس في البلدان العربية منذ الثمانينيات من القرن المنصرم إلى إيقاف عقولهم عن التفكير والتدبر واختاروا ان يكونوا على هامش الحياة حين سلموا عقولهم للآخرين (رجال الدين والسياسة) يقودونهم وفق أفكارهم وتصوراتهم، وإن ناقشتهم قالوا: هم يقولون ولم يسألوا عقولهمماذا يقولون؟ وهذا دليل واضح على أن العبودية لا تتجلى في قيود توضع في اليدين أو جسد في زنزانة، إنما العبودية الحقيقة أن يستسلم عقلك للغير فلا تعود تملكه.

أن تفعل ما يفعله الآخرون لمجرد أنهم يفعلونه فهذا يعني أنك تحولت فعلا إلى القطيع، تسير في مساره، وتؤدي أدواره التي رُسمت لك منذ أن انضممت إليه ودون أن تفكر بالتمرد عليه. يقول الإمام علي (عليه السلام): "الناس ثلاثة: عالمٌ رباني، ومتعلمٌ على سبيل النجاة، وهمجٌ رعاع أتباع كل ناعق، يميلون مع كل ريح، لم يستضيئوا بنور العلم ولم يلجؤوا إلى ركن وثيق".