مع وصول حزب العدالة والتنمية الى السلطة، دشنت تركيا مرحلة جديدة في تأريخها المعاصر اذ بدأ الاقتصاد التركي يتعافى مع تحسن مضطرد في حياة المواطنين وقدراتهم المالية وتوسع ملحوظ لنطاق الحريات العامة واحترام حقوق الانسان ومحاولة حل المسألة الوطنية الكوردستانية ......الخ الامر الذي انعكس إيجابا على العلاقات الخارجية لتركيا مع محيطها الإقليمي والدولي وفق سياسة تصفير المشاكل، وكان من الممكن ان تؤدي هذه السياسة العصرية والمتوازنة داخليا وخارجيا الى تعزيز الموقع الجيوسياسيوالاقتصادي لتركيا كقوة إقليمية رئيسة في المنطقة

كل ما سبق انقلب رأسا على عقب مع بروز الاطماع والطموحات الخيالية لإحياء الرجل العثماني المريض الذي أصبح في ذمة التأريخ ولم يعد من الممكن احياؤه بأي شكل من الاشكال فالموتى لا يعودون، الامر الذي أدى الى انزلاق تركيا أكثر فأكثر في مستنقع الازمات الداخلية والخارجية التي تهدد كيانها ومستقبل شعوبها.

داخليا، عادت حملات القمع الدموية والحرب ضد شعب كوردستان الشمالية اشد شراسة ووحشية ولم يسلم منها أبناء كوردستان الجنوبية والغربية وخلفت وراءها داخل تركيا وعلى طول الحدود المشتركة مع العراق وسوريا مئات القرى والقصبات المدمرة كليا والاف القتلى والجرحى والمشردين والمهجرين، بالإضافة الى استغلال مسرحية الانقلاب المزعوم الذي اسفر عن اكثر من (170 الف) معتقل ومفصول ومعزول من بينهم قرابة (4000) قاضي ووكيل نيابة عام واغلاق حوالي (2000) مؤسسة تعليمية واعلامية بضمنها (15) جامعة وحوالي (150) مؤسسة إعلامية، مما أدى الى تراجع كبير في حقوق الانسان وتدهورها المتسارع نتيجة الانتهاكات الرهيبة وحملات التطهير العرقي والفكري ......الخ

خارجيا، أدت الطموحات والاطماع العثمانية الطوباوية وغير المشروعة الى التمدد العسكري العدواني المرفوض في سوريا وليبيا ومناطق مختلفة من القارة الافريقية واستمرار احتلال قبرص وحالة العداء المستمر مع اليونان والعلاقات المضطربة التي تزداد سوءا مع الاتحاد الأوروبي وروسيا الاتحادية واغلبية الدول العربية وحتى الولايات المتحدة الامريكية ناهيك عن العلاقات المشبوهة مع أطرافمتهمة بالإرهاب..... الخ

النتيجة المنطقية والمتوقعة لهذه السياسات المتهورة والعدوانية ومحاولات التمدد العسكري هنا وهناك والواقع الاقتصادي المزرىالذي يعاني من الانكماش وارتفاع معدلات البطالة وحجم الدين الخارجي (450مليار دولار) مع انخفاض حجم الاستثمارات الخارجية وتراجع الإنتاج الصناعي وازدياد اعداد المواطنين الذين يعيشون تحت خط الفقر (13%) ......الخ، هو الانقسام الحاد في المجتمع التركي بما فيها تشظي حزب العدالة والتنمية نفسه وتزايد النقمة الشعبية العارمة والى عزلة حقيقية خانقة دوليا واقليمياخاصة مع عدم احترامها لالتزاماتها الدولية

من الواضح ان تركيا بطموحاتها واطماعها العثمانية تقف على مشارف هاوية السقوط المدوي للنظام الحاكم الذي يحاول عبثا الهاء شعوب تركيا بمغامراته العسكرية العبثية الفاشلة واغلب الظن انه سيخسر المعركة الانتخابية القادمة كما خسرها في إستانبول فتركيا الحديثة لا يمكن ادارتها بعقلية (المساجد ثكناتنا وقببنا خوذاتنا والمآذن حرابنا والمصلون جنودنا) فقد ولى ذلك الزمن الى لا رجعةوشعوب تركيا لن تقبل باقل من نظام ديموقراطي متحضر يحترم حقوق الانسان وكرامته و حقوق شعب كوردستان الديموقراطية المشروعة، متصالح مع نفسه ومع الاخرين يضع تركيا الحديثة على المسار الصحيح.

[email protected]