"أنا رح موت من السرسبة مش من الكورونا... عميظل السبيرتو على مكتبي وكل شوي بعقم بس رح موت من الخوف"... هكذا، وبصوت يرتجف، أجابتني موظفة في مطار بيروت الدولي عندما سألتها عن وضع المطار وإن كان آمناً للسفر. كان الكل خائفاً من المطار، نقطة العبور الأولى للكورونا إلى لبنان.
ظل المطار يشكّل الخطر الأكبر في ظل الرحلات اليومية من الدول الموبوءة، قبل أن تعلّن الحكومة اللبنانية التعبئة العامة، والتي شملت وقف جميع الرحلات الجوية إلا باستثناءات مُلحّة.
كورونا، الفيروس الذي بدأ في الصين وظن العالم ومن بينهم لبنان أنه سيبقى محصوراً في البلد الذي يأكل مواطنوه أشياء غريبة كالخفافيش والثعابين (التي نقلت الفيروس)، ولكن حساب الحقل لم يكن على حساب البيدر والفيروس الذي يقاس بالميكروميتر أرعب دول الكرة الأرضية وجعلها تعيش هلعاً مستنفراً.
#خليك_بالبيت، #لزموا_منازلكم... عينة عن هاشتاغات أطلقتها المحطات التلفزيونية اللبنانية لحث الناس على ملازمة منازلهم، وأرفقتها بحملات توعية حول الفيروس وطرق الوقاية منه.
بعض اللبنانيين يستخفون بالموضوع ولا يقيمون أي اعتبار للعدو الخفي، يكملون حياتهم بشكل عادي: تنزه، تجمع واحتفالات... إلا أن هؤلاء استثناء، فالغالبية خائفة، تتوقى وتأخذ أقصى درجات الحيطة والحذر.
الكل مدعو ليبقى في منزله، حالة التعبئة العامة فرضت عطلة قسرية للجميع، "لا تخرجوا إلا للضرورة، لتأمين حاجياتكم الغذائية، واخرجوا أفراداً...." الكل أعطي الحق في أن يحجر نفسه في منزله إلا أولئك الموكلين بتأمين حاجيات الناس الغذائية، والساهرون على صحتهم... الكل له خيار حماية نفسه الا هم مجبرون أن يكونوا تحت الخطر!
يكفي أن تدخل إلى السوبرماركت ليعتريك الشعور بالذنب، أن تنظر في عيون الموظفين القلقة الحائرة وهم يقومون بخدمتك... نعم هم مجبرون على وضع كمامات (أنت لا تطيقها بضع دقائق) طوال النهار ليحموا أنفسهم والآخرين، ولكن لا تستطيع قطع القماش تلك أن تخفي شعورهم بالخوف... هم بشر ويخافون على حياتهم.
يأخذون كل التدابير الوقائية وقد يكون الخطر عليهم ضئيلاً يغزوهم من حالة مصابة بالعدوى، قد تمر وقد لا تمر عليهم، ولكن ماذا عن القطاعات الأكثر احتكاكاً بالمرض... المستشفيات؟
هذه حادثة عايشتها شخصياً تظهر كم الهلع الذي يعيشه اللبنانيون حالياً! صبية تعمل في الإدارة بمستشفى لم يستقبل أي حالة مصابة بالكورونا حتى الآن، تعيش قلقاً مضطرداً، ومنذ عشرة أيام كادت تنهار وهي تحاول ثني قريبتها عن السفر خوفاً عليها من التقاط العدوى... كل هذا الهلع نتيجة تعليمات المدير وتدابير احتياطية اتخذتها المستشفى لحماية الموظفين.
نعم هو هلع مبالغ فيه، اذ نتحدث عن موظفة في مستشفى بمنطقة لم تسجّل فيها أي حالة إصابة بالعدوى حتى الآن، فماذا عن أولئك الذين يكونون في خط المواجهة الأول؟ ماذا عن الطاقم الطبي والممرضين في مستشفى رفيق الحريري الحكومي، الرائد في استقبال حالات الاصابة بالكورونا، والذي كان الوحيد باستقبال هذه الحالات قبل أن تُجهّز بعض المستشفيات الخاصة أقساما، وبانتظار تحضير أخرى خاصة وحكومية؟
في تقرير تلفزيوني لمراسلة لبنانية شجاعة دخلت إلى قسم الكورونا في مستشفى رفيق الحريري وعبرت كأي مريض على كل المحطات، رأينا تحدي الانسانية الحقيقي الذي يعيشه العاملون في القسم وخصوصاً الممرضين... يكفي أن ترى كم التدابير التي عليهم اتخاذها يومياً ليمارسوا عملهم، مصدر رزقهم... يكفي أن ترى لغة عيونهم وتسمع نبرة صوتهم وهم يتحدثون عن تجربتهم لتسأل نفسك: في الوقت الذي يُعامل الناس (الأصحاء) بعضهم على أنهم خطر عدوى، ما الذي يجبر هؤلاء على كل هذه المخاطرة؟ ما الذي يجبرهم على حجر أنفسهم في مستشفى يعج بوباء العصر... أن يناموا فيه ويقوموا فيه بعيداً عن منازلهم للحفاظ على سلامة عائلاتهم... نعم إنه عملهم، ولكن أمام تحدي الانسانية الأصعب في ظل وباء عالمي يتفشى، علينا أن ننحني احتراماً لانسانيتهم، أن نجّل تقديراً من يبتعدون عن أحبائهم، طوعاً أو قسراً، ويخاطرون بحياتهم لأجل شفاء غرباء عنهم!
التعليقات