منذ أن عرف العالم خلال الأسابيع الأخيرة الخطورة الكبرى لفيروس كورونا، تبدلت الكثير من الأمور وأصبح العالم فجأة منشغلاً بأحوال هذه الفيروس الخطير وأطواره. ومع مرور الأيام تسارع الاحساس بالخطورة التي يمكن أن يهدد بها هذا الفيروس عالم البشر جميعاً تهديداً حقيقياً خطيراً جعلهم اليوم لا يخرجون من بيوتهم خوفاً. وإذا كانت منظمة الصحة العالمية قد صنفت انتشار هذا الفيروس قبل أكثر من اسبوعين بأنه لم يصل بعد إلى مرحلة الوباء؛ فقد وصفته مؤخراً بأن أصبح وباءاً اجتاح العالم وبات اليوم موجوداً في كل بلد من بلدانه.

وجود الفيروس في جميع أنحاء العالم وانتشاره بوتائر متسارعة في أوربا والولايات المتحدة، ومن قبل الصين، يدل على أن الزعم بأنه مؤامرة زعم لا تبرره أدلة.
فاليوم أصبح الفيروس مهدداً حقيقياً لحياة البشر، وفي الوقت نفسه لم يتم حتى الآن اكتشاف لقاح له بصورة واضحة، ولا كذلك مصل. وأقصى ما يمكن أن يوفر للمرء الحماية منه هو العزل الصحي الذاتي مع الاهتمام بالتعليمات الصحية التي تنتشر في الكثير من الوسائط الإعلامية والارشادات الحكومية والطبية.
كورونا اليوم هو الشغل الشاغل للعالم، ومن المجازفة عدم الانصياع للتعليمات الصحية والطبية الصارمة التي تشرح طبيعة التعامل معه.

ربما كانت هذه اللحظة الأولى التي يدرك فيها البشر في العالم أنهم ضعفاء ومعزولون أمام فيروس خفي وغير مرئي لكنه فتاك.

في العادة، كانت الفتوحات العلمية للبشر في مجال الطبيعة والعلوم والحياة وما يسرته للإنسان من حياة سهلة وهينة، تتجه باتجاه الادعاء والقدرة على سيطرة الانسان على مصير حياته. وكان هذا الاحساس الذي تغذيه المكتشفات العلمية المذهلة في القرن الواحد والعشرين يطرح الانسان ويصوره كأنه قاهر للطبيعة.

لكن احساس البشر بالعجز اليوم أمام هذا الفيروس المهدد للحياة، والذي جعلهم في جميع أنحاء العالم يلزمون بيوتهم تفادياً من الاصابة به فيما هو فيروس لا يرى بالعين المجردة، هذا الاحساس يتعزز بقوة ومعه مزيج من الخوف والحيرة والأسى. حين يضعف الناس كانوا، على مر العصور، في مثل هذه الظروف التي تصيبهم فيها الأوبئة يهرعون إلى الدعاء إلى الله والتضرع إليه لرفع البلاء.

لقد نسي الناس في هذه الأزمنة المعاصرة بعد أن حلت الآلة الصناعية محل الجهد العضلي ويسرت لهم حياتهم، وما عاد هناك ما يذكرهم بالعجز والضعف، حتى توهم البعض أن قوتهم التي قهرت الطبيعة في تقدم مستمر وفي سيطرة مستمرة.

هذه اللحظة التي تعبر فيها البشرية بهذه المحنة من وباء كورونا الذي لا يعلم أحدٌ اليوم حجم الكوارث التي سيخلفها، هي لحظة ضعف بشري بامتياز وعجز بشري أصيل في الانسان. وكما قال القرآن الكريم : "قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَٰذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ، قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ " والآية واضحة في أن الله سبحانه وتعالى هو الذي وحده بيده نجاة البشر من كل كرب في البحر والبحر. مما يعني أن الدعاء هو مطلوب الله من الانسان كي ينقذه من الكرب.

ومن طبيعة البشر هي أنهم في لحظات الخوف الكبرى يتذكرون الله بطريقة غريزية وهي غالباً ما تكون أيضاً لحظات حزن وضعف لا يعينهم على مواجهة المصائب التي تكون في العادة أكبر منهم.

ولقد أصبحت مصيبة فيروس كورونا اليوم، حتى الآن، أكبر من حيلة البشر في التغلب عليها ولهذا من المهم بعد أن يستنفذ البشر كل الوسائل المشروعة في مقاومة هذا الفيروس وتجنب الإصابة به، و في الوقت نفسه أن يدعوا البشر ربهم الله ويسالونه النجاة. إن هذه الزاوية في النظر إلى فيروس كورونا تجعل البشر أكثر اطمئناناً بأن الله خالق هذا الكون سيكون رحيماً بهم إذا توجهوا له بالدعاء والسؤال كي يرفع عنهم ما لا يقدرون على رفعه. من الوباء.

إن وسيلة الدعاء، بعد الأخذ بكافة الأسباب والاحتياطات للنجاء من هذا الفيروس، هي طريقة أخرى للنجاة من هذا الفيروس الخطير والقاتل. بعد هذا الانتشار المخيف الذي أصبح بموجبه ملايين البشر مهددون بخطر الموت بسببه (كما ذكرت ذلك تقارير سرية في بريطانيا قدرت أنه قد يكون من الضحايا المحتملين لهذا الفيروس 2 مليون في الولايات المتحدة، وخمسمائة ألف في المملكة المتحدة، ناهيك عن بقية العالم) لا سمح الله..

لهذا كله إن وسيلة الدعاء إلى الله التي يلجأ لها الانسان الغافل عندما يواجه كرباً عظيما يهدد حياته ولا يستطيع دفعه بوسائله المحدودة مثل فيروس كورونا، ستكون وسيلةً فعالة كلما كانت الدعوات مخلصة (وهي أكيد ستكون دعوات مخلصة لأنها تتصل بإرادة الحياة للنجاة من الموت).

لقد أصبح البشر في غالبيتهم الكبرى غافلين في هذا العصر عن ذكر الله سبحانه وتعالى، ولعل هذا الفيروس هو بمثابة تذكير للبشر بقوة الله التي لا تغلبها قوة فيلجؤون إليه لينجيهم الله من كرب " كورونا" الذين هم اليوم في أشد الحاجة للنجاة منه.
لهذا لندعو الله أن ينجينا من هذا الوباء: (لطفك يارب)