لتحليل ازمة فايروس كورونا من حيث مسبباته التي أدت الى نشوئه وتطوره وتفاقمه مرورا بالآثار والتداعيات التي خلفها الوباء على المجتمع الدولي عامة والمجتمع العربي خاصة وصولا الى الحلول والإجراءات التي اتخذتها الحكومات في مواجهة جائحة فايروس كرونا لتجاوز هذه الازمة.

شكلت لجان وغرف عمليات طوارئ لخلية الازمة في كل الدول وأطلقت حزمة إجراءات للوقاية من العدوى للفايروس، وكانت قراراتها تدرجية تحسبا لأي مخاطر للانتشار الفايروس.

ورغم تلك الإجراءات انتشر الفايروس وأصاب الكثير من الناس بسبب التهاون والاستهانة من قبل الكثير من المواطنين من اخذ الاحتياطات الازمة من النظافة وعدم الاختلاط والتباعد الاجتماعي والحجر المنزلي في ظل الازمة حيث مارس الكثير من المواطنين عاداتهم اليومية من التسوق والتبضع في كل الأوقات وإقامة المناسبات العائلية كالأفراح مثلا او الزيارات العائلية وفقا لعادات كل دولة من دولنا العربية، غير ابهين بمخاطر الفايروس.

لكن الملاحظة المتميزة لوطننا العربي ان الله سبحانه وتعالى قد اعزه وانعم عليها بالخيرات فلم تتأثر كثيرا دوله بل مازالت المواد الغذائية متوفرة في جميع الأسواق وانتشار الاعمال الخيرية للمواطنين والجمعيات الإنسانية في توفير السلال الغذائية للعوائل المتعففة وأصحاب الأجور اليومية وغيرهم لتامين مستلزمات الحياة الضرورية مع مراقبة الجهات الحكومية للأسعار وعدم التلاعب بها من قبل ذوي النفوس الضعيفة التي تستغل مثل هذه الظروف ووضعها تحت طائلة القانون. وهو عكس دول الغرب التي افرقت محلاتها من السلع الغذائية بسرعة كبير حين تفشي الفايروس وتخوفهم من مستقبل مجهول غامض لا يعرف الوقت الزمني الذي ينتهي فيه.

فخلال إصابة اعداد متزايدة من المواطنين والمقيمين بفايروس كورونا حثت الدول مواطنيها ورعاياه ضرورة الحفاظ على تعليمات لجان إدارة الازمة لمكافحة كورونا (كوفيد19) ومن خلال وسائل الاعلام وعبر وسائل التواصل الاجتماعي الى البقاء في المنازل وعدم مغادرتها كونها الوسيلة الانجع لتجنب الوقوع فريسة فايروس كورونا، ولا شك ان تلك الدعوات جاءت بدافع الحرص على كافة ابناء المجتمع بشيبه وشبابه واطفاله.
ووضعت الدول كل امكانياتها الاستراتيجية خاصة الصحية منها للتخفيف من تأثير تفشي المرض عبر ما يُعرف بالتدخلات غير الصيدلانية، أي الأمور التي يجب التقيّد بها عندما لا تتوافر أدوية مضادة للوباء، وعبر تنفيذ التعليمات الصادرة من خلية الازمة، وكيفية إدارة المعركة في مواجهة الوباء، عبر اخذ الاحتياطات غير الدوائية، لعدم وجود دواء او لقاح فعال يعالج هذا الفايروس في الوقت الحالي.

وبرزت هنا قدرة الدولة بكامل أجهزتها المختلفة (العسكرية والأمنية وأجهزتها الصحية واطقمها الطبية وجميع المؤسسات الدولة المهمة ...) قدرتها على التعامل المسبق مع مثل هذه الأزمات والكوارث، وبالتالي الحد من الخسائر البشرية جراء الفايروس.
تتمثل القيادة الاستراتيجية strategic leadership)) للدولة بانها تعلب دورا مهما وبارزا في استقرار الدولة ونجاحها في ادارة الازمة اثناء المحن اذ تتحلى هذه القيادة بالصفات والخصائص العديدة منها الكاريزما الحكمة والعقلانية ورباطة الجأش في المحن وتحمل المسؤولية والحزم والصرامة وتحديد الأولويات وتحديد الاحتياجات البشرية والمادية لمواطنيه ويهتم بالوقت واهميته للاتخاذ القرار المناسب وادراكه لنقاط القوة والضعف لديه استيعاب التعامل مع العديد من الأشخاص بصفاتهم المختلفة، والتغلب على الصعاب وذو تفكير حدسي استراتيجي شجاع واتخاذ الخطوات المدروسة في تشكيل فريق إدارة الازمات.
وإذا اخذنا نموذج سلطنة عمان كما حددتها منظمة الصحة العالمية باعتبارها الأولى عربيا في الإجراءات الصحية ونظامها الصحي المتطور في مواجهة كورونا. كذلك تشخيص تعامل الدولة المتحضرة والشعب المثقف الواعي، والذي أحسن التعامل أثناء حدوث الأزمة بكل حكمة وهدوء، من خلال احترامه وتنفيذه لتعليمات أجهزة ومؤسسات الدولة وتظافر كل الجهود لمواجهة هذه الازمة، ناهيك عن الإنسانية التي يتصف بها المجتمع كله، بطبقاته وأفراده سواء كانوا عمانيين أو مقيمين. اذ حافظت سلطنة عمان على أهدافها في التنمية وتحقيق الرخاء وإرساء العدالة الاجتماعية والمساواة وتمتين الوحدة الوطنية وتعميق التلاحم الإنساني بين المواطنين، ونشر قيم السلام والتعايش والوئام بين الشعوب، كلها ساعدة في مواجهة الازمة.
وهو نموذج لا يختلف في تطوره عن النموذج الصحي باقي دول الخليج العربي (المملكة العربية السعودية، الكويت، الامارات، قطر، البحرين)، كذلك العراق رغم ظروفه والأردن وتونس ولبنان وسوريا في ظل أزمتها ومصر رغم تردي وضعها الاقتصادي، والمغرب الا ان أنظمتها الصحية حافظت على مستوى مقبول ليس بسبب امكانياتها المتواضعة وانما بسبب الكفاءات العربية التي تتوفر عليها.. مقارنة بأنظمة عالمية انهارت أنظمتها الصحية بمواجهة الفايروس (إيطاليا، فرنسا، اسبانيا....الخ).

من هنا تبرز أهمية الاهتمام بالتعليم ومراكز الأبحاث في الجامعات والمعاهد لما له من فائدة في وصول الدولة الى بر الأمان في ظل الازمات التي تعصف بالعالم باختلاف أنواعها.

ستنتهي ازمة فايروس كورونا وسيشيع الاحياء جثث احبائهم الى مثواهم الاخير وسيعم الحزن لزمن ثم تبدا مرحلة ما بعد الوباء وما خلفه من دمار طال الدول العظمى والدولة الصغيرة لم يفرق بينهم، ستعيد الدول استراتيجياتها لبناء مستقبل افضل للبشرية، لقد افرزت ازمة كورونا تحديات كبيرة امام الدولة وقيادتها الاستراتيجية والتي من شانها تعزيز منظومة ادارة الازمات اثناء الكوارث لتقليل الوفيات والخسائر المادية الكبيرة منها تعزيز الخبرات الوطنية وبناء قدراتها العلمية في كافة المجالات، وتأهيل الكوادر المتخصصة في مختلف المجالات وخاصة الطبية منها، ونشر الاسهامات العلمية الجادة، وتعزيز الشراكات مع المؤسسات العلمية والمراكز البحثية، إعادة قيمة الانسان كانسان، أهمية التعاون بين الخبرات الدولية لخدمة الإنسانية في ظل الظروف التي عاشتها البشرية اثناء الوباء.