يعترف معظم خبراء الفايروسات ممن ظهروا في وسائل الإعلام، أن الجائحة العالمية الراهنة حملت من التفسيرات والتكهنات ما يتخطى طاقتها. ليس تهويناً لأمرها، بل لأن أكثر ما قيل عنها لا يرتكز إلى رأي ناشئ عن متخصصين أو خبراء في علم الأوبئة أو الفايروسات.

ربما لا تكون تلك الاعترافات من باب التوق إلى تحجيم آراء الناس، بقدر ماهي مواقف ناقمة على ما ينشأ من آراء تتناقلها حوارات الناس والتي قد تجد وجهتها إلى خلق قناعات مغلوطة لدى البعض. إذ ليس غريباً أن يجد الفرد نفسه في خِضَم هذه الأزمة تحت وطأة خاطر مقيت يدفعه دوماً لأن يضع لذاته موضع قدم بين الناس، وهو ما يجد وسيلته في التبرير القائل: "قُل رأيك، فليس رأي الآخرين أرجح من رأيك".

والتطفل على مجال الاختصاصات العلمية لغاية الاستعراض الجماهيري والتلويح بشارة الكفاية المعرفية، ربما يشكل أحد دوافع اقتحام حقل الأمراض والأوبئة من أولئك الذين يُعدون "أشباه متعلمين"، ممن يسعون لتلهية الوقت في تقديم آراء غير مطلوبة رأساً، بل مظللة وغير صائبة في معظم الأحيان. ولعل هذا التطفل كان وربما لا يزال القيادي الشرس خلف الكثير من مشاعر الاستخفاف بخطورة انتشار الفايروس.
لكن حتى مع الاحساس بالتقدير للمهن غير الطبية "وهذه ليست مهنتي"، نجابه إلحاح شِبه مقصود يشعرنا أن عموم المهن في المجتمع أضحت طبية. فلا يساور المهندس أدنى قلق لتفسير نظرية في علم الأوبئة، أو المحامي المتحمس الذي يشرح مفاهيم لأمراض الرئة، أو ربما الفلاح الذي لا تعوقه أي عِلة عن تقديم دروس في حركة الفايروسات وانتقالها من الهواء إلى أجساد البشر. كل ذلك يحدث لأسباب غير مبررة، سوى المرام الجامح للتوسل لإرضاء واستحسان الآخرين.

يحتم علينا إذن الأخذ بعين الاعتبار حساسية هذه القضية، فلا ناقل المعلومة الموثوقة ولا الراغب بتوعية المجتمع معنيان في هذا الشأن. بل مفتعلي المفاهيم المغلوطة الذين تصدروا عالياً المشهد وساهموا في توسيع أفق الأفكار الخاطئة والتي قادت البعض إلى اتجاهات بات أسوأها العدوى بالفايروس.

على عكس هذه الخلفية، أضاء البعض من أهل المعرفة بأمراض الفايروسات المسار للمتبعين لمصادر المعلومة الجديرة بالثقة، أو على الأقل المؤمنين بقدرة أهل الاختصاص على توعية المجتمع، وبالتالي منحهم هذا الحق في الإدلاء بالرأي والإرشاد لاتقاء أي محاذير تحلق حول هذا الوباء.

لذلك علينا من أجل صحتنا وصحة من يعيشون معنا أن نستشعر الاحترام لما نحن جديرين بالإلمام به، وترك ما يتجاوز علمنا لمن هم على دراية بوسائله ويملكون الكفاية والكفاءة للإفصاح عنه.

*كاتب سعودي