أطلقت مجموعة من الناشطات النسويات في تونس صيحة فزع امام ارتفاع عدد النساء المعنفات تحت الحجر الصحي الذي فرضه جائحة كورونا وكأن الوباء ومآسيه لا تكفي وحدها حتى يزيد العنف المسلط عليهن الطين بلة، فالمآسي كما نعلم لا تأتي فرادا.

الجمعية التونسية للنساء الديموقراطيات والمعروفة بمواقفها المعارضة لنظام بن علي، أطلقت حملة إلكترونية على مواقع التواصل الاجتماعي بعنوان "الوباء وزيد تعنيف النساء" و"تهدف هذه الحملة إلى تسليط الضوء على جميع أشكال العنف المسلط على النساء من لفظي وجسدي ومعنوي واقتصادي وسياسي وغيره من جميع أشكال العنف المتزايد ضدهن خلال فترة الحجر الصحي العام".

أزمة الكورونا وكما عرت مشاكل القطاع الصحي و هشاشة منوال التنمية و انتشار التهميش و الفقر و البؤس، كشفت أيضا تنفشي أنواع جديدة من الجرائم لم تكن متصدرة المشهد قبل ازمة كورونا وهي العنف الأسري بحسب وزير الداخلية، وهو ما ذهبت اليه وزير المرأة أسماء السحيري بالاعتراف بأن" ارتفاع حالات العنف المسجلة في فترة الحجر الصحي العام تتطلب مزيد تضافر الجهود من مختلف المتدخلين، لضمان سرعة ونجاعة التدخل للإحاطة بالنساء ضحايا العنف"
معبرة عن "قلقها بسبب تضاعف معدلات العنف المسلط على النساء خمس مرات مقارنة بالفترة نفسها من السنة الماضية ".

ما يفهم من هذه التصريحات، ان العنف المسلط على المرأة كان مستشري في المجتمع التونسي لكنه زادا تفشيا بسبب جائحة الكورونا، وربما سوف ترتفع الأرقام أكثر بعد نهاية الحجر الصحي و بروز الأزمات الاقتصادية و الاجتماعية نتيجة ارتفاع معدلات البطالة المتوقع بعد إغلاق بعض المؤسسات الصناعية و المصدرة و السياحية، وهذا سيؤدي حتما الى ارتفاع منسوب العنف الناتج عن المجهول و سينعكس على سلوك الفرد و المجتمع، و في ظل مجتمع ذكوري بامتياز مثل مجتمعاتنا، وفي ظل غياب الإجراءات الناجعة و السريعة، سوف تكون النساء الأكثر تضررا من تداعيات الأزمة الوبائية و الأزمة الاقتصادية.

ما زالت طبيعة المجتمع تعتبر تسلط الرجل على المرأة من "المتعارف عليه" والعنف المسلط على المرأة من "المسكوت عنه" والشكوى من العنف "من العيب" كما بين ذلك تقرير أنجزته وزارة المرأة حول مقاومة العنف ضد المرأة سنة بعد صدور القانون الأساسي عدد58 لسنة 2017، الخاص بالقضاء على العنف ضد المرأة.
يبين التقرير ان الترسانة القانونية والتشريعية والدستورية إضافة الى حسن النوايا لم تساهم كثيرا في الحد من العنف المسلط على المرأة لأن المجتمع التونسي بقي ذكوريا حتى النخاع اذ سجلت الأرقام الأمنية أكثر من 44 الف قضية عنف ضد المرأة فقط بين فيفيري 2018 و نوفمبر 2018، كان فيها الزوج هو القائم بالعنف في أكثر من ثمانين بالمائة من الحالات مما يدل على ان التشريعات وحدها لا تكفي للقضاء على هذه الآفة ،فالتشريعات على أهميتها، بحاجة الى آليات عملية مساندة و الا بقيت حبرا على ورق و مجرد شعارات سياسية تُرفع في المحافل الدولية لنبين للعالم ان تونس وقعت على كل القوانين الحامية لحقوق المرأة، في حين يشهد الواقع عكس ذلك تماما فلا جدوى لإصدار القوانين دون مراجعة الإجراءات الجزائية و مجلة الأحوال الشخصية و مجلة الشغل كي نخلق حاضنة و بيئة متكاملة لحماية المرأة من العنف و الاستغلال و الوصم الاجتماعي.

و إذا كانت جل قضايا العنف المسجلة ضد المرأة تتم في الليل وتُدبر تحت جُنح الظلام و لا توجد إمكانية للتدخل ليلا إضافة للحجر الصحي الذي يجبر المرأة على العزلة الاجتماعية ، فما قيمة القوانين في هذه الحالة؟ زد على ذلك فإن تقرير وزارة المرأة يكشف محدودية طاقة استيعاب مراكز الإيواء للنساء ضحايا العنف وعدم توفير آلية لتقديم المساعدة المادية الظرفية والحينية علما وان اول طلب للنساء المعنفات هو المساعدة النفسية لكن وخاصة المادية.

منذ مدة كان لي لقاء مع بعض النسوة المعنفات في إطار لقاء دراسي نظمته احدى الجمعيات المدافعة على حقوق النسوة. ما سمعته وعاينته يرتقي الى مرتبة التعذيب دون أدنى شك. تعذيب جسدي ونفسي وجنسي يدفعنا لنتساءل ان كان هؤلاء الرجال أو الأزواج الذين مارسو العنف يرتقون أساسا الى المرتبة الدنيا من الإنسانية في حاجياتها الأساسية في الأكل والشرب و في غريزة البقاء؟ فطرق التعذيب والوسائل المستعملة وتوافق كل افراد عائلة الزوج أحيانا في التنكيل بالزوجة أو الأخت لا يمكن ان يتقبلها عاقل، لكن للأسف هذا واقع من المسكوت عنه في تونس.
قرأت قصيدة جميلة بعنوان "عنف في زمن الكورونا " للشاعرة التونسية نسرين مبارك حسن، تعكس بصدق واقع النساء المعنفات زمن الكورونا نشرتها بموقع الحوار المتمدن، أقتطف منها:

في العزل
امرأة مُعنفة
تكتُم أنفاسها
فالنَّفَسُ أحيانا جريمه
بنت الفعله
ليتني منذ الصفعة الأولى
غادرت الأيادي اللئيمه!